
ـ اليسار الغربي بين محبة الصهيونية ونقدها: لحظة انعطاف تاريخية ـ
(كش بريس/التحرير)ـ يعالج المفكر والباحث الإعلامي السوري صبحي حديدي في مقاله الجديد المنشور في صحيفة القدس العربي ليوم 5 سبتمبر 2025 بعنوان “اليسار الغربي ودولة الاحتلال: حضارة «فيلو ـ صهيونية»”، موضوع التحولات الثقافية والسياسية في علاقة الغرب بالمشروع الصهيوني، منطلقاً من واقعة ثقافية رمزية شهدها مهرجان فينيسيا السينمائي 2024، حين استقبل الجمهور الفيلم التسجيلي «صوت هند رجب» للمخرجة التونسية كوثر بن هنية بتصفيق متواصل وهتافات داعمة لفلسطين. يرى الكاتب أنّ هذا المشهد ليس حدثاً عابراً، بل مؤشر على انكسار تدريجي لهيمنة الخطاب الفيلو-صهيوني (Philo-Zionism) في الغرب، وهو ما يستدعي قراءته في ضوء الدراسات الجديدة التي تناولت علاقة اليسار الغربي بإسرائيل.
الثقافة كمرآة للتحولات السياسية
- التصفيق الجماهيري للفيلم يعكس تزايد الوعي الأخلاقي بالجرائم الإسرائيلية في غزة، وتنامي الاشمئزاز من المشروع الصهيوني كفكرة وكفلسفة سياسية.
- هذه اللحظة تُوضع، حسب حديدي، في سياق أوسع يضم حركات التضامن الطلابية والشبابية، بما يؤشر إلى تحوّل مزاج الرأي العام العالمي نحو نقد الاحتلال.
أطروحة أسموند بيرغن ياريخ
يعتمد حديدي على كتاب الباحث النرويجي أسموند بيرغن ياريخ (معنى إسرائيل: العداء للصهيونية والفيلو-صهيونية لدى يسار ما بعد الحرب)، الذي يقدّم قراءة نقدية لتموضعات اليسار الأوروبي تجاه إسرائيل. أبرز محاور الكتاب:
- الفيلو-صهيونية كخطاب حضاري: بعد الحرب العالمية الثانية، رأى الاشتراكيون الديمقراطيون في إسرائيل أداة لطمأنة مخاوفهم من انهيار الحضارة الغربية.
- اليسار الجديد والرفض الإمبريالي: في ستينيات القرن العشرين، عارضت تيارات يسارية أخرى المشروع الصهيوني، معتبرة إياه تجسيداً متقدماً للإمبريالية العالمية.
- الدمج بين الحضارة والديمقراطية: تم تصوير إسرائيل كمشروع حضاري/ديمقراطي مثالي، يعوّض عن صدمة النازية والهولوكوست.
- التجذر المؤسساتي: تجلت هذه النزعة في أحداث مفصلية مثل حرب السويس (1956) ومحاكمة إيخمان (1961)، حيث ارتبط الدفاع عن الصهيونية بالدفاع عن الحضارة الغربية.
الأبعاد المقارنة
- يوضح ياريخ أنّ الفيلو-صهيونية لم تقتصر على النرويج، بل امتدت إلى بريطانيا، ألمانيا، والولايات المتحدة، حيث صارت معاداة الصهيونية رديفة لتهديد الحضارة.
- مثال بارز أورده الباحث يتمثل في تشبيه المستوطنين الإسرائيليين بروّاد الاستيطان الأمريكي، الذين نقلوا “الهنود الحمر من الهمجية إلى الحضارة”، ما يكشف عمق البنية الاستعمارية في هذا الخطاب.
من المثال الحضاري إلى نقيضه
يخلص حديدي إلى أنّ الورثة المعاصرين لأولئك «الروّاد» هم أنفسهم قتلة الطفلة الفلسطينية هند رجب، ما ينسف بالكامل سردية إسرائيل بوصفها حامية الحضارة. في المقابل، فإنّ رد فعل جمهور فينيسيا يمثّل إزاحة رمزية لهذه السردية، وتأكيداً على أنّ خطاب الفيلو-صهيونية يفقد مبرراته أمام صور الإبادة والاقتلاع التي يعيشها الفلسطينيون اليوم.
تقدّم مقاربة حديدي قراءة مزدوجة:
- من جهة، إبراز الرمزية السياسية للثقافة والفن كمساحة مقاومة للسرديات الاستعمارية.
- ومن جهة أخرى، الاستناد إلى دراسات أكاديمية مثل عمل ياريخ لفهم التاريخ المعقّد لعلاقة اليسار الغربي بالصهيونية.
المفكر صبحي حديدي يكشف إذن عن جدلية أساسية: كيف انتقل المشروع الصهيوني من كونه مثالاً حضارياً في المخيال الغربي إلى أن يصبح رمزاً للإبادة والهمجية، وكيف بدأت الثقافة الجماهيرية تعكس هذا الانعطاف في الرأي العام.