‏آخر المستجدات‏تكنولوجيا و ميديا

صبحي حديدي: ما بعد الإبادة.. حين يموت العالم ولا يموت الفلسطيني

قال المفكر والإعلامي السوري صبحي حديدي، إن أرقام الحرب الإسرائيلية على غزة لم تعد مجرد معطيات إحصائية، بل تحولت إلى مؤشرات دامغة على جريمة إبادة موصوفة، تترسخ عاماً بعد عام في ذاكرة الإنسانية. فالأرقام الصادمة – أكثر من 67 ألف شهيد مؤكد، و186 ألف وفاة في ظروف غامضة، ومئات المراكز الطبية والتعليمية المدمرة، و1.9 مليون مهجر – لم تعد مجرد نتاج آلة حرب إسرائيلية، بل تعبير عن نظام عالمي متواطئ يسهم في تثبيت منطق القوة على حساب العدالة والإنسانية.

ويشير صبحي حديدي في مقاله آخر الأسبوع بصحيفة القدس العربي ليومه 12 أكتوبر 2025، بعنوان “سنة الإبادة الإسرائيلية الثالثة: حصيلة أمريكية/ أوروبية أيضاً” إلى أن الحرب لم تكن إسرائيلية خالصة، بل هي حرب ثلاثية الهوية: إسرائيلية في الميدان، أمريكية في التسليح والتغطية السياسية، وأوروبية في الصمت والتواطؤ. فبينما حمل الجنود على الأرض شعار “الجيش الإسرائيلي”، كانت الطائرات والأسلحة والذخائر أمريكية الصنع، والموقف السياسي الغربي يوفر الغطاء والتبرير لما يُرتكب من فظائع.

لقد كانت الإدارات الغربية، وعلى رأسها الأمريكية، شريكاً مباشراً في كل مراحل الحرب، من خلال إمداد إسرائيل بـ40 مليار دولار من الدعم العسكري، واستخدام الفيتو الأمريكي سبع مرات في مجلس الأمن لإجهاض قرارات وقف إطلاق النار. بهذا المعنى، تحولت واشنطن إلى وكيل حصري لإدامة الحرب، فيما اكتفت أوروبا بممارسة نفاقها الدبلوماسي المعتاد، مكررة شعارات “الدفاع عن النفس” و“الحق في الأمن”، لتمنح الإبادة غطاءً أخلاقياً زائفاً.

ويستعيد الكاتب مشاهد من “الحجيج السياسي” لقادة الغرب إلى مستوطنات غلاف غزة، في الأيام الأولى للحرب، بوصفها رمزاً لشرعنة العدوان وتكريسه كفعل دفاعي. لقد بدا وكأن الغرب بأسره يقف على جبهة واحدة، لا ضد الإرهاب، بل ضد الضحية نفسها. وتكررت المسرحية نفسها في مجلس الأمن، حيث لم يكن النقاش حول العدالة أو الإنسانية، بل حول “اللغة المناسبة” لتبرير استمرار القتل.

وفي مقارنة لافتة، يذكّر حديدي بواقعة عام 2006 حين غرقت دبلوماسية الاتحاد الأوروبي في جدل لغوي بين “وقف إطلاق النار” و“وقف الأعمال العدائية”، بينما كانت القنابل الإسرائيلية تمحو قرى لبنانية من الوجود. إنها الدوامة نفسها تتكرر اليوم في غزة، حيث تتبدى الازدواجية الأخلاقية الغربية بأبشع صورها: دماء فلسطينية تُستباح، ومفردات غربية تُطهر الجريمة من معناها الإنساني.

أما النتيجة، فهي تثبيت قواعد جديدة في نظام دولي مختلّ، تتحكم فيه القوة العسكرية الأمريكية/الأوروبية، وتُعاد صياغة مفاهيم العدالة فيه بما يخدم مصالح الاحتلال. غير أن الكاتب يرى أن التاريخ لا يُكتب بالقنابل فقط، بل أيضاً بإصرار الضحايا على البقاء. فعودة سكان غزة إلى أنقاض بيوتهم، رغم المجازر والحصار، ليست مجرد فعل رمزي، بل إعلان عن هوية لا تُباد، وعن ذاكرة إنسانية عصيّة على المحو.

وهكذا، فإن “سنة الإبادة الثالثة” ليست حدثاً محلياً في الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، بل علامة كونية على سقوط الغرب الأخلاقي والسياسي. إنها سنة تفضح نفاق الديمقراطيات الغربية، وتؤكد أن “المجتمع الدولي” الذي يتحدثون عنه ليس سوى واجهة أيديولوجية لإدامة نظام عالمي عنيف وغير عادل.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button