
ـ يكتبها مدير النشر : مصطفى غلمان ـ
يبدو أن كل يوم يحمل لنا نسخة جديدة من فوضى القرارات الحكومية، حيث يخرج مسؤول حكومي بتصريحات تتناقض مع سياسات إدارته الترابية، من دون أي تخطيط أو استراتيجية واضحة. هذه العشوائية الإدارية تتحول إلى خطاب عام فارغ، يفتقد للحد الأدنى من المسؤولية والوعي بمخاطر تطبيقه على المواطنين.
آخر هذه الخرجات كان تصريح وزير التعليم العالي عز الدين المداوي، الذي وضع شروطًا مالية على الموظفين الراغبين في متابعة دراستهم الجامعية، وكأن الجامعة لم تعد فضاءً للمعرفة والبحث العلمي، بل أصبحت منصة لتحصيل المكوس والضرائب على العقول الطامحة إلى التعلم. هذا التصرف يعكس ازدواجية الدولة. من جهة تدعو إلى البحث العلمي والتميز الأكاديمي، ومن جهة أخرى تضع حواجز اقتصادية أمام من يريد الاستفادة من هذه الفرص.
المفارقة الأكبر أن الوزير حاول تبرير هذا القرار عبر تأويلات دوغمائية، متناسياً أن غاية التعليم العالي هي تمكين الإنسان من المعرفة، لا معاقبته أو فرض قيود مالية تعوق مساره. هذا النوع من السياسات يُضعف الانخراط في البحث العلمي ويقوض الثقة في النظام الجامعي، ويعيد إنتاج منطق الانتقام الموجه ضد من سبق لهم انتهاك النظام (مثل التزوير وبيع الشهادات)، وكأن العقاب الفردي يُعمّم على جميع الطامحين.
من زاوية تحليلية، تعكس هذه الخرجة أزمة الثقة بين الدولة ومؤسساتها الأكاديمية، حيث تتحول القرارات الوزارية إلى أدوات رقابية عقابية بدل أن تكون محفزة للإبداع والابتكار. إنها رسالة ضمنية مفادها أن التعليم العالي أصبح سلعة مرتبطة بالدفع، لا حقًا عامًا، ما يهدد المساواة في الوصول للعلم ويزيد من فجوة الفرص بين الفئات الاجتماعية.
باختصار، ما نراه اليوم هو سياسة قصيرة النظر، تفرّق بين الراغبين في التعلم بدل دعمهم، وتعمّق أزمة الجامعة المغربية بين الطموح الأكاديمي والقيود المالية البيروقراطية، في وقت يُفترض فيه أن تكون الجامعة محرّكاً للمعرفة والبحث والابتكار.





