‏آخر المستجداتالمجتمع

محمد أمين البداوي: لماذا نحن السياسيون لا نزاول السياسة؟

نحن جيل تربى في أحضان التنظيمات الشبابية الحزبية، تشبعنا بقيم المواطنة، وتغنينا بالعمل الجماعي، وحلمنا أن نكون يوماً جزءاً من التغيير الذي طالما تحدثنا عنه في القاعات والاجتماعات والمخيمات. كنا نؤمن أن السياسة هي أسمى أشكال خدمة الوطن، وأن الانخراط الحزبي هو الطريق الطبيعي لكل من يحمل همّ الشأن العام. لكن، مع مرور السنوات، وجدنا أنفسنا نردد سؤالاً بسيطاً ومؤلماً في آن واحد: لماذا نحن السياسيون لا نزاول السياسة؟

الجواب، للأسف، ليس فينا وحدنا، بل في منظومة تحوّلت فيها السياسة من مجالٍ للفكر والنقاش والمسؤولية إلى فضاءٍ للمصالح، وتبادل المواقع، وتدبير الولاءات. السياسة التي حلمنا بها كانت تُدار بالعقل والقيم؛ أما السياسة التي نراها اليوم فتُدار بالحسابات الانتخابية الضيقة، وبمنطق الربح والخسارة، لا بمنطق المصلحة العامة.

لقد عشنا داخل الأحزاب لحظات مثالية في البدايات: النقاشات، الحماس، البرامج، التدريب على الخطاب، والتكوين في الديمقراطية الداخلية. لكننا اكتشفنا، مع الوقت، أن تلك الديمقراطية كثيراً ما تنتهي عند أبواب الزعيم أو “الكبار”. فالشباب الذي يُطلب منه أن يكون وقود الحملات الانتخابية، لا يُسمح له أن يكون صانع القرار أو حتى صاحب رأي مخالف.

نحن لا نزاول السياسة اليوم، لأننا نرفض أن نكون ديكوراً في مشهد سياسي ممل. نرفض أن نُستعمل كأرقام في المؤتمرات أو كصور في الحملات. نرفض أن نُدجَّن داخل منطق الطاعة المطلقة في زمنٍ يحتاج إلى عقول نقدية وشجاعة في المواقف.

لكننا، في المقابل، لا نستقيل من حب هذا الوطن. نحن نمارس السياسة بمعناها النبيل في حياتنا اليومية: عندما نغرس قيماً، عندما ننتقد بوعي، عندما نشارك في مبادرة مدنية أو تطوعية، وعندما نُصرّ على أن المغرب يستحق أفضل مما هو قائم.

السياسة ليست كرسياً ولا منصباً، السياسة فكر وموقف ومسؤولية. وإذا كان المشهد الحزبي اليوم لا يمنحنا مساحة لذلك، فربما حان الوقت لأن نعيد تعريف السياسة من جديد، على طريقتنا، بوسائلنا، وبقيمنا.

قد لا نزاول السياسة كما يُراد لنا، لكننا نعيشها كما نؤمن بها.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button