‏آخر المستجداتلحظة تفكير

مصطفى المنوزي: بين الدستور وسوسيولوجيا القرار السيادي

ـ من روح “ثورة الملك والشعب” إلى حوكمة الأمن والسياسة الخارجية ـ

يكرس الدستور المغربي، بصيغتيه الحقيقية والمجازية، موقع الملك كفاعل مركزي في تدبير الشأن الديني وقيادة السياسة الخارجية، مستندًا إلى تاريخ طويل من تداخل السلطتين السياسية والروحية في خدمة تحصين السيادة الوطنية وحماية الوحدة الترابية. هذه المكانة تمنح المؤسسة الملكية سلطة توجيه الدبلوماسية المغربية، وإبرام الاتفاقيات، وتحديد أولويات الأمن القومي، في إطار ما يمكن تسميته بـ الشرعية السيادية العليا.

لكن قراءة هذه الصلاحيات من منظور سوسيولوجيا القرار السيادي تكشف أن النصوص، مهما بلغت قوتها، لا تعمل في فراغ، بل تتفاعل مع موازين القوى الدولية، ومع طبيعة النخب التي تصوغ القرار، ومع شبكات النفوذ الاقتصادي والأمني التي قد تؤثر فيه. هنا يصبح التعسف في استعمال الحق — ولو تحت غطاء الشرعية الدستورية — مصدر تهديد مباشر لاستقلال القرار الوطني، خاصة عندما تُبرم اتفاقيات في سياقات ضغط أو ابتزاز، أو حين يتم القبول بترتيبات تخل بمبدأ الندية وتكرس التبعية.

من هذا المنظور، فإن الاختبارات المتكررة في بعض العلاقات الثنائية الراهنة ليست مجرد أحداث دبلوماسية عابرة، بل مؤشرات على هشاشة السيادة عندما تُختزل في بعدها القانوني الشكلي، دون أن تُدعم بحماية سياسية واجتماعية واقتصادية. ذلك أن الدفاع عن السيادة لا يقتصر على حماية الحدود، بل يشمل ضمان حرية القرار، ورفض أي التزامات دولية تفرغ الإرادة الوطنية من مضمونها.

ومن هنا، تتأكد الحاجة إلى إحياء روح تعاقد “ثورة الملك والشعب”، باعتباره إطارًا تشاركيًا للتوافق على كل ما هو مصيري، مع استحضار البعد المتعلق بقدرات الدفاع الوطني، وتفعيل مقتضيات الفصل 54 من الدستور الذي ينص على تنصيب المجلس الأعلى للأمن كآلية مؤسساتية لصياغة القرار الأمني الاستراتيجي. ولأن المناسبة شرط، فإن اللحظة الراهنة تفرض إعادة الاعتبار لخطاب 20 غشت، حيث يذكّر الملك بما أُنجز في القضايا المصيرية ويجدد العهد على احترام تعاقد “ثورة الملك والشعب” الذي لولاه لما حصل المغرب على الاستقلال، ولا عادت
الشرعية بعودة الملك محمد الخامس، وعزل محمد بن عرفة.
فالخطاب حضور وتواصل ، يفتح باب التشاور والتشاركية ، ويعبئ للإصطفاف وتحصين المكاسب ، والخطاب موحد جماعي يكفينا شر الإستقطاب اللاوطني ، ويدفع في إتجاه التصالح عوض الانفصال. و بهذا المعنى، تصبح الشرعية التاريخية والشرعية الدستوري متكاملتين في حماية القرار السيادي، شرط أن تُترجم إلى ممارسات عملية تقوم على الشفافية والمساءلة، وتجعل من الأمن الوطني قضية مجتمعية بامتياز، لا حكرًا على النخبة الحاكمة وحدها.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button