‏آخر المستجداتلحظة تفكير

مصطفى المنوزي: من الاحتجاج ضد الدولة إلى الاحتجاج من داخلها

(بين صراع الدوائر وتحدي الجاهزية السيادية) ـ

علينا أن ننطلق من سؤال مركزي : هل حصل تغيير في طريقة المطالبة (التعبيرات المجتمعية ) في المغرب ؛ وكأول انطباع يبدو أن السردية الإحتجاجية انتقلت من مواجهة الدولة إلى المطالبة من داخل دواليبها ؛ ذلك أن الساحة المغربية تمر بمرحلة جديدة، فمنذ فشل الربيع المزيف ، وعلى إثر إنهيار كثير من الدول ، خاصة ما يسمى بدول الممانعة والتصدي ؛ لم يعد الاحتجاج فيها يعني رفض الدولة ككل، بل تحول إلى مطالبة الدولة من داخلها بالوفاء بما قطعته من وعود في مجالات مثل التنمية ومحاربة الفوارق الاجتماعية ، بمعنى آخر، لم يعد المواطن يهاجم النظام، بل يستخدم لغة النظام نفسه وقوانينه ليحمله مسؤولية وعوده غير المنفذة ؛ غير أن هذا التغيير الإيجابي يصطدم بمشكلة حقيقية يؤطرها سؤال مزدوج :
هل تمتلك الدولة رؤية موحدة ومتماسكة لتدبير الشؤون العامة؟ أم أن أجهزتها المختلفة تعمل كلٌ في اتجاه، مدافعة عن مصالحها أكثر من دفاعها عن المصلحة العامة؟
في الواقع، إن الدولة المغربية ليست كتلة واحدة، بل تتكون من عدة دوائر (أجهزة ومؤسسات ) مختلفة:
· الدائرة الحكومية: تعمل ضمن صلاحيات دستورية محدودة وهموم انتخابية.
· الدائرة الأمنية والعسكرية: تركّز على استقرار البلاد وأمنها فوق كل اعتبار.
المربع الملكي: يلعب دور الموجه والضامن للتوازنات الكبرى في البلاد.
· الدائرة الاقتصادية والمالية: تتأثر بشدة بلوبيات محلية وشركاء دوليين يفرضون منطق الربحية.
· الدائرة الإدارية والمحلية: التي تواجه صعوبة في تنفيذ السياسات محدودية الميزانيات
نتيجة لهذا التعدد، تنشأ مشكلة “صراع الدوائر”:
حيث تتنافس هذه الأجهزة على النفوذ والسلطة،مما يؤدي إلى تضارب في القرارات، وبطء في معالجة الأزمات، وصعوبة في تحديد المسؤولية، وغياب رؤية وطنية واحدة.
بالإضافة إلى ذلك، تواجه الدولة قيودًا خارجية تقيد حريتها في القرار، مثل:
· الاتفاقيات التجارية الدولية.
· شروط وقروض المؤسسات المالية الدولية (مثل صندوق النقد الدولي).
· الضغوط الجيوسياسية المتعلقة بالهجرة والعلاقات مع دول مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
فما هو الحل المقترح إذن؟
إنه لا يكفي أن تكون لدى الدولة نوايا حسنة للإصلاح، بل يجب إعادة تنظيم هذه الدوائر وتحديد أدوارها بوضوح لتعمل بتناغم. لذا فإن الحلول العملية تتطلب:

  1. تشخيص المشكلة بصراحة: الاعتراف بوجود خلل في تناغم عمل أجهزة الدولة.
  2. تنظيم العلاقة بين الدوائر: لتقليل تضارب المقاربات والرؤى.
  3. إعادة التفاوض مع الشركاء الدوليين: لخلق مساحة أكبر لاتخاذ القرارات التي تخدم المصلحة الوطنية.
  4. إشراك المجتمع في الإصلاح: وعدم الاكتفاء بالقرارات الفوقية، لتوزيع أعباء الإصلاح بعدالة.
    وكخلاصة :فإن الاحتجاج من داخل الدولة ليس تهديدًا لها، بل هو إنذار يُطالبها بإصلاح ذاتها من الداخل، وتوحيد صوتها، وتحرير نفسها من تناقضاتها حتى تصبح قادرة على الوفاء بوعودها لشعبها. الهدف هو جعل الدولة تعمل ككيان واحد متماسك، وليس كدوائر متنافسة، في ظلال تضخم الطموحات وتماهي الانتقالات تحت ضغط الهاجس الإنتخابي المؤطر بفوبيا اللايقين وعقدة هبة الدولة وتردد ” هيمنتها الرمزية “في العلاقة مع الخارج !

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button