‏آخر المستجداتالمجتمع

مصطفى ولد سلمة: التوجه الترامبي يختبر قدرة الجزائر على إعادة ترتيب أوراقها في الصحراء

في تدوينة سياسية جديدة، يقدّم المعارض الصحراوي والقيادي السابق في جبهة البوليساريو مصطفى ولد سلمة قراءةً دقيقة للمشهد الجيوسياسي الراهن المتعلق بنزاع الصحراء، في ظل ما يسميه بـ”التوجه الترامبي”، أي عودة النفَس الأمريكي البراغماتي في إدارة ملفات المنطقة، والذي يُعلي منطق الصفقات الواقعية على حساب الخطابات الإيديولوجية أو المواقف التاريخية المتخشبة.

يرى ولد سلمة أن جبهة البوليساريو وصلت إلى مرحلة الإنهاك السياسي والاستراتيجي، بعد أن استنفدت كل أوراقها الممكنة في المرافعة الأممية والحقوقية، بل وحتى العسكرية، منذ قرارها الانسحاب من اتفاق وقف إطلاق النار في 13 نونبر 2020، في خطوة وُصفت حينها بأنها انتحار تكتيكي بلا مكاسب ميدانية. هذه الإشارة لا تُقرأ بمعزل عن تحولات البيئة الإقليمية، التي باتت تتسم بوضوح الاصطفافات، وبتراجع التعاطف الدولي مع خطاب “تقرير المصير” بالشكل التقليدي الذي ظلت تطرحه البوليساريو لعقود.

ويؤكد ولد سلمة أن التحرك الأمريكي الأخير يحمل ملامح “مخطط فصل الملفات”، إذ تسعى واشنطن – عبر مبعوثها الخاص “ويتكوف” – إلى تحييد ملف الصحراء من تعقيدات العلاقات الجزائرية المغربية، بتثبيت سقف الحكم الذاتي كحل نهائي، ثم الانتقال بعد ذلك إلى مناقشة ملفات التعاون الإقليمي. هذا النهج، في نظره، يعكس رغبة إدارة بايدن (أو ما يسميه التوجه الترامبي المستمر داخل المؤسسات الأمريكية) في تحقيق إنجاز جيوسياسي واقعي دون الاصطدام بالعقد التاريخية التي كبّلت الدبلوماسية المغاربية طويلاً.

غير أن هذه المقاربة الأمريكية تضع الجزائر في موقف بالغ الحساسية؛ فهي تدرك أن أي تسوية نهائية على أساس الحكم الذاتي ستُفقدها أهم ورقة ضغط إقليمية، وتُضعف نفوذها في توازن القوى المغاربي، بل وقد تُمهّد – كما يلمح ولد سلمة – إلى فتح ملفات أكثر حساسية مثل قضية “الصحراء الشرقية”. ولهذا، يرى أن القيادة الجزائرية سارعت إلى توجيه البوليساريو لإحياء طرح “الكونفدرالية أو الفيدرالية” كحل وسط يوحي بمرونة تفاوضية شكلية، بينما هدفه الحقيقي هو تأجيل الحسم في مجلس الأمن وكسب الوقت لمواجهة الاندفاعة الأمريكية.

في جوهر تحليله، يُبرز ولد سلمة بذكاء أن معركة المرحلة ليست عسكرية ولا حقوقية، بل دبلوماسية تكتيكية بامتياز، تدور حول من ينجح في فرض الإطار المرجعي للحل: واشنطن التي تريد تسقيف النزاع عند الحكم الذاتي، أم الجزائر التي تصر على إبقاء الملفات مترابطة حتى لا تفقد توازن أوراقها الإقليمية.

من زاوية أعمق، يمكن قراءة تدوينته كتعبير عن تحول في النخبة الصحراوية المعارضة نفسها؛ إذ لم يعد الخطاب يقوم على ثنائية “المغرب/الاستقلال”، بل على إدراك متزايد بأن الزمن الدولي بات يميل نحو الواقعية السياسية، وأن العودة إلى خطاب الرفض المطلق لم تعد مجدية أمام دينامية أمريكية تضع مصلحة الاستقرار الإقليمي فوق كل اعتبار.

لقد كشفت تدوينة مصطفى ولد سلمة عن وعي استراتيجي حاد بتبدّل ميزان القوى الدبلوماسية في المنطقة، وتُسائل قدرة الجزائر على التكيّف مع مقاربة أمريكية جديدة تمزج بين “الحسم في الصحراء” و”الانفتاح على السلام”.

إنها تدوينة تُقرأ كتحذير مبكر: أن المرحلة المقبلة لن تُقاس بالشعارات ولا بالتحالفات العقائدية، بل بمدى استعداد الفاعلين الإقليميين للانخراط في منطق الممكن بدل المستحيل.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button