
(كش بريس/التحرير)ـ قالت أكدت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها في عرضها أمام مجلس النواب أن الواقع الفعلي للفساد بالمغرب لا يعكس مستوى التقدم الدستوري والتشريعي الذي راكمته البلاد منذ دستور 2011. فرغم توفر ترسانة قانونية ومؤسساتية متقدمة، إلا أن الممارسة الإدارية لم تشهد تحسناً نوعياً ملموساً سواء في مؤشرات الأداء أو في منسوب الثقة العامة بالمؤسسات.
وسجلت الهيئة، على لسان أمينها العام، أن الفجوة بين النصوص والواقع ما تزال عميقة، وأن الحكومة قلّصت من دور المجتمع المدني في جهود مكافحة الفساد، سواء على مستوى المشاركة في التنفيذ أو المراقبة أو التبليغ. وهو ما يُعدّ إخلالاً بمبدأ المقاربة التشاركية التي يُفترض أن تشكل إحدى ركائز الحوكمة الجيدة المنصوص عليها دستورياً.
وأوضحت الهيئة أن التحدي الحالي لم يعد تشريعياً بل تنفيذياً، فالإشكال لا يكمن في غياب القوانين أو الاستراتيجيات، وإنما في ضمان فعاليتها العملية وقدرتها على التأثير في سلوك الفاعلين الإداريين والمؤسساتيين، وعلى ملامسة المواطن لآثارها الملموسة في حياته اليومية.
وفي هذا السياق، أعلنت الهيئة قرب صدور تقرير تقييم الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد (2015-2025)، والذي كشف، وفق المعطيات الأولية، عن ضعف التقدم المحرز مقارنة بالطموحات المعلنة. ومن أبرز الملاحظات: قصور في هيكلة الاستراتيجية وبرامجها وأولوياتها، وضعف حكامتها ومحدودية الانخراط الجماعي في التنفيذ، وجمود اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد التي لم تعقد سوى اجتماعين منذ 2017.
وأكدت الهيئة أن تقاريرها السنوية تشكل أداة رقابية نقدية وتقويمية، لأنها تستند إلى معطيات ميدانية ومؤشرات دولية موضوعية، فضلاً عن تتبعها لملفات الفساد المعروضة على القضاء، وتحليل التبليغات والشكايات الواردة من مؤسسات وهيئات مختلفة.
كما أوضحت أنها أعدّت تقارير موضوعاتية أساسية تهدف إلى إرساء دعائم قانونية مؤسِّسة وفق المعايير الدولية، مثل مشاريع القوانين المتعلقة بـ: تضارب المصالح والإثراء غير المشروع، وتعزيز نظام التصريح بالممتلكات، والحق في الحصول على المعلومات، وحماية المبلغين عن الفساد،
إلى جانب رأيها بخصوص تعديل قانون المسطرة الجنائية الذي حدّ من إمكانية المجتمع المدني في الترافع أو التبليغ في قضايا الفساد.
وفي ختام مداخلتها، أعلنت الهيئة أنها بصدد إعداد استراتيجية جديدة (2025-2030) تروم الانتقال من المقاربة التشريعية إلى المقاربة التنفيذية التفاعلية، من خلال مزيج بين الوقاية، التوعية، والمساءلة، وبشراكة مع جميع الفاعلين المؤسساتيين والمجتمعيين، بما يضمن تكامل الجهود الوطنية في تجفيف منابع الفساد وترسيخ ثقافة النزاهة في الحياة العامة.





