
(كش بريس/ التحرير)ـ في خطوة تؤكد جدية الدولة المغربية في محاربة الفساد السياسي والمالي، أصدرت وزارة الداخلية إنذارًا صارمًا موجهًا إلى زعماء الأحزاب السياسية، طالبتهم فيه بتصفية الترشيحات من المشتبه بتورطهم في قضايا الفساد قبل الاستحقاقات التشريعية المقبلة، محذّرة من تشديد العقوبات والملاحقات القضائية في حال عدم الالتزام. يأتي هذا التحرك في سياق إعداد قوانين انتخابية جديدة تحت إشراف فريق متخصص يقوده الوالي حسن أغماري، مدير الانتخابات، بهدف الحد من الفساد الانتخابي الذي يُفقد العملية الديمقراطية مصداقيتها ويؤدي إلى تبديد الأموال العامة وتأخير المشاريع التنموية.
يُعدّ هذا التحرك الردّ العملي للوزارة على موجة الاحتجاجات التي اجتاحت المغرب خلال الأيام العشرة الماضية، والتي حملت شعارات صارخة تطالب بـ محاربة الفساد المالي والسياسي، ما يضع السلطات أمام امتحان التوازن بين الضغوط الشعبية وضرورة الحفاظ على نزاهة المؤسسات. كما يأتي الإنذار في أعقاب فضائح تورط نحو 30 برلمانيًا وأكثر من مائة منتخب جهوي وإقليمي ومحلي في شبهات فساد مختلفة، ما يُعيد إلى الواجهة التساؤل حول جدوى الأنظمة الرقابية الحالية وقدرتها على حماية العملية الانتخابية من الانتهازية السياسية واستغلال الفقر والمال لشراء الأصوات.
من الناحية القانونية، تعتزم وزارة الداخلية التنسيق مع وزارة العدل والسلطة القضائية لتفعيل التنصت الهاتفي لمراقبة الجرائم الانتخابية، وفق المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية التي صنفت الفساد الانتخابي كجريمة خطيرة. هذه الخطوة تكشف عن رغبة الدولة في تحويل النزاهة الانتخابية إلى أداة حماية للمصلحة العامة، لا مجرد شعار شكلي.
ويظهر التحرك الرسمي تفاعل السلطة التنفيذية مع مطالب الشعب واهتمامها بالمظهر الأخلاقي للانتخابات، لكنه يطرح أيضًا تساؤلات حول الفاعلية الحقيقية لهذه التدابير: هل يمكن لمجرد إنذار إداري أن يحدّ من شبكة مصالح متشابكة وامتداد ثقافة الفساد التي تمس أصول العمل السياسي منذ عقود؟ وهل يظل التنسيق القضائي وآليات المراقبة كافياً لمواجهة الانتهازية السياسية التي تتخذ من الفقر وسوء توزيع الموارد وسيلة لشراء الولاءات الانتخابية؟
وحسب مراقبين فإن هذا التحرك يشكل خطوة رمزية وعملية في آن واحد، لكنه يضع القوى السياسية والمجتمع المدني أمام اختبارٍ حقيقي: القدرة على فرض النزاهة ليس عبر الإنذارات وحدها، بل عبر ثقافة جديدة للرقابة الذاتية والمساءلة الحقيقية، التي تتحقق فقط من خلال إصلاح شامل للمنظومة السياسية والانتخابية.