لحظة تفكير

د محمد الدرويش*: نقاش هادئ لقضايا حارقة.. القضية الأولى

“معهد” مع وقف التنفيذ

نسجل باعتزاز و افتخار خلال العشرين سنة و نيف عدة إنجازات و قرارات اتخذها و قادها جلالة الملك محمد السادس جعلت من المغرب قوةً صاعدةً تشق طريقها نحو الأفضل بهدوء و عمل استراتيجي يضعه في صلب الاهتمامات الدولية ، و لنا أن نتذكر زيارات جلالته المكوكية لمجموعة من الدول الافريقية ، وما رافقها من تجاوب رئاسي و شعبي و حكومي في تلك الدول ، و من حجم الاستثمار الذي دشنه المغرب فيها بمنطق رابح – رابح ، كل ذلك أعاد المغرب لمكانته الطبيعية انتماءً للقارة الافريقية، و استحضارًا للعلاقات التاريخية التي جمعت بينه بلداً افريقياً و بين باقي الدول الافريقية عبر التاريخ ، و هي مبادرات لعمري جعلت دولًا عدة تستعيد الثقة في قدراتها و أدت بكثير منها للجهر بالأطروحة الملكية * افريقيا للأ…
وقد أخذ ذلك القرار وقتًا طويلًا جمدت خلاله المعاهد ، و توقفت المشاريع، و أصاب مجموعة من الأساتذة و الموظفين بعض التيه ، و كثر القيل و القال عن أسباب تلك المبادرة و مصادرها و الهدف منها ؟؟؟؟
و جمعت المعاهد الثلاثة في واحد تحت اسم جديد ، و ظلت الميزانيات و المناصب المالية توجه للمعاهد الثلاث كل سنة ، و تم تعيين نائب رئيس الجامعة مكلفًا بالتدبير – بالنيابة لأكثر من أربع سنوات – الشيء الذي تسبب في شبه جمود تام اختلطت فيه الأمور ، و لم يصدر إلى حدود الآن مرسوم التجميع ، و عليه فنحن أمام معهد ” مع وقف التنفيذ ” بجامعة محمد الخامس .
ومهما كانت الأسباب وراء هذا القرار الذي لم يكن موفقاً توقيتاً و شكلاً ، و الذي غالباً ما اتخذ بمنطق محاسباتي و تقني فإنه لا يرقى إلى اللحظات القوية التي تعيشها المملكة المغربية في علاقاتها الدولية دفاعاً عن الوحدة الترابية الوطنية و تثبيتًا لها تاريخًا و حضارةً و ثقافةً و قدرات اقتصادية و طبيعية تجعل منها قوةً صاعدةً ؛ و هي اللحظات التي نحتاج فيها لانخراط كل القوى الحية من احزاب و تنظيمات مدنية و اكاديمية كما نحتاج لمبادرات الأساتذة الباحثين المختصين في تاريخ و حاضر و مستقبل علاقات المغرب مع الدول الافريقية و الدول المتحدثة بالاسبانية و البرتغالية ، و نعتقد أن المعهدين ” المفقودين ” هما الكفيلان بالقيام بهاته الأدوار مؤسساتياً ؛ لكن مع كل أسف اتخذ القرار بهدوء دون أن تتدخل أي جهةٍ لإيقافه أو توضيح صوابه ، فأصاب التيه مرة أخرى المعنيين و المهتمين و الغيورين…
و لنا أن نطرح مجموعة من الأسئلة في هذا المقام :
@ لماذا اتخذت الحكومة السابقة هذا القرار و في الوقت بدل الضائع من عمرها ، و بأي هدف و لأي مصلحة؟
@ أمن الحكامة اتخاذ قرار تسبب في تعطيل دينامية أكاديمية تجاه افريقيا و اسبانيا و البرتغال و دول أميركا اللاتينية مؤسساتياً ؟
@ كيف وزعت الميزانيات خلال هاته السنوات من 2018 الى 2022 و كيف صرفت ؟ هل على المعاهد الثلاث أم للمعهد صاحب الاسم الجديد !؟
@ ما هي المعايير التي اعتمدت في توزيع المناصب المالية لهاته المعاهد و لأي مؤسسة وجهت ؟
@ ألم يساهم هذا القرار في هدر الطاقات البشرية و الموارد المالية و زمن البحث و العلاقات الدبلوماسية الموازية ؟
@ كيف سمحت الحكومة السابقة باتخاذ قرار لا يساير القرارات و الاختيارات الاستراتيجة لجلالة الملك في موضوع العلاقات الدولية؟

@ لماذا لم يسارع السيد وزير التعليم العالي و البحث العلمي و الابتكار إلى التراجع عن هذا القرار و طلب سحب مشروع المرسوم الذي بموجبه تم تجميع المعاهد الثلاثة في واحد ؟ و قد طرحنا عليه الملف بمناسبة تنظيم المرصد الوطني لمنظومة التربية و التكوين لندوة وطنية بالمكتبة الوطنية حول موضوع العلاقات المغربية الافريقية ؟ .
@ ألا يعد عدم سحب مشروع المرسوم موافقة للحكومة الحالية على القرار ؟
فبعد كل هذا ، و بعد الإشارات و التنبيهات ، و استحضارا لمبادرات و قرارات جلالة الملك محمد السادس تجاه افريقيا من خلال اتصالاته ، و جولاته عبر قطعه مئات الآلاف من الكيلوميترات و هو يدشن و يزور دولًا افريقية شقيقة و صديقة ، و ما نتج عن ذلك من قرارات مؤسساتية حكومية و خاصة في كل المجالات ، و بعد التطور الحاصل في علاقات المغرب بمجموعة من الدول ، و بعد الانتصارات الدبلوماسية و ما حققه الفريق الوطني لكرة القدم في قطر و ما نتج عنه من إشعاع دولي غير مسبوق للمغرب و المغاربة و أخيراً و ليس آخراً انعقاد اللجنة العليا للمغرب و اسبانيا بالرباط و ما صاحبه من قرارات تاريخية همت كل المجالات ( 19 اتفاقية ) و غيرها من الانجازات التي نعتز بها …

ألا يستحق كل ذلك مواكبة للدراسات الافريقية و الاسبانية لهاته المشاريع من خلال معهد الدراسات الافريقية ومعهد الدراسات الاسبانية والبرتغالية كبنية وطنية لكل منهما ، متكاملةً معرفياً ولغةً وإداريًا تتقاطعان مع كل السياسات العمومية تجاه افريقيا والدول المتحدثة باللغة الاسبانية ، وتعملان على تجميع تاريخ هاته العلاقات المشتت هنا وهناك ، و يتم تعزيز هاذين المعهدين بنخبة من أساتذة التاريخ واللغات والثقافة وعلم الاجتماع …وبذلك تزيد مكانة أساتذتنا الباحثين المختصين ، ويزيد عطاؤهم وإنتاجاتهم ، وتتقوى أواصر هاته العلاقات ، وتتجذر في إطار متكامل يجمع بين أخلاق المواطنة والتعايش و قبول الآخر .

لكل ذلك نجدد توجيه ندائنا إلى المسؤولين ونخص بالذكر السيد رئيس الحكومة و السيد وزير التعليم العالي و البحث العلمي والابتكار و السيد الأمين العام للحكومة بالعدول عن قرار دمج المعاهد الثلاثة في واحد ، كما نرجو أن يعمل المسؤولون بالتعليم العالي مركزيا و جهوياً و محلياً بمنطق التدبير الجدي و المتجدد للموارد المالية مع تبسيط مساطرها حتى تتمكن المؤسسات و المختبرات من توفير الظروف الملائمة للممارسات الفضلى للدبلوماسية المعرفية و تطوير منظومة البحث العلمي و الابتكار استحضاراً لتاريخ المغرب و حاضره من أجل مستقبله في قلب القارة الافريقية و الاوربية و الامريكية و الاسيوية و الاسترالية، و بذلك نكون نستجيب لدعوة جلالته كل مكونات المجتمع المغربي للانخراط الجدي في قضايا الوطن و تحمل المسؤولية.

الرباط في 3 فبراير 2023
*رئيس المرصد الوطني لمنظومة التربية و التكوين
الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي قبلا

‏مقالات ذات صلة

Back to top button