فنون وثقافة

   ذ. عبدالرحيم مجوش : ايت اورير من التنوع الثقافي إلى بناء النسق القيمي 

تقديم:
     يمكن القول، إن معرفة اي شعب من الشعوب يقتضي الاطلاع العميق على تنوعه الثقافي، وتكوين نسقه القيمي، وهما المحددان لرؤيته للديمومة الزمنية،ويمكنانه من المحافظة على خصوصياته الثقافية، والحضارية.
   وقبيلةمسفيوة،عموما،ومدينة ايت اورير، خصوصا،من المناطق المغربية التي اشتهرت بتنوعها الثقافي، والاجتماعي،والقيمي،والبيئي؛ (الغابات،الجبال،السهول،الوديان،…) هذا جعلها تلعب ادوارا طلائعية على مستوى الاحداث التاريخية ببلادنا،لكن الملاحظ في المصادر التاريخية القديمة، والحديثة، ذكر منطقة إمي ن الزات، وغياب لذكر مدينة ايت اورير الى متم سنة  1903،…واسم قبيلة مسفيوة لم تعرف الا في العهد السعدي،حينما احتاج ملوك السعديين الى جلب، ومصادرة مياههم لسقي بساتين مراكش١، الامر الذي يستدعي تضافر جهود الباحثين والطلبة،والمهتمين لتبئير البحث حولها، والتنقيب عن فجوات غائبة، او مغيبة من تاريخ المنطقة.
ونظرا لطبيعة الموضوع – حضاريا،تاريخيا،اجتماعيا – فان المقاربة ستكون انطلاقا من مناهج متعددة، لبناء رؤية متكاملة.

1- مفهوم التنوع الثقافي واهميته:
1-1- مفهوم التنوع الثقافي: 

هو تعدد السلوكات والعادات الناتجة عن تفاعل الانسان في محيطه بالممارسات الاجتماعية عبر السيرورة التاريخية.
    يعتبرالتنوع الثقافي والقيمي الشبيه بالتنوع الحيوي “البيولوجي” للطبيعة،عاملا قويا لبناء الشخصية،والحضارة،ويحقق التعارف(لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم)2،والتواصل والحوار المستدام،وهذا ما اقره الدستورالاخير لسنة 2011 – في تصديره ،وفي الباب الاول منه – حينما تحدث عن اصول وجدور الشعب المغربي.
   يقول الباحث المغربي الفرنسي، “الانتروبولوجي” في البادية المغربية بول باسكون، في دراسته حول:”حوز مراكش وسوس”، يقول: ” إن المجتمع المغربي يتشكل من فسيفساء من التقاليد والتوجهات المتعددة والمختلفة”، ويشير الى انها حالة ايجابية وصحية.وهذا ما اكد عليه المفكر المغربي في علم المستقبليات، الدكتور المهدي المنجرة، في كتابه القيم:” قيمة القيم”، وفي كتبه الاخرى.ويقول الدكتور احمد بوكوش، رئيس المعهد الملكي للثقافة الامازيغية، ” إن وحدة المجتمع المغربي ،مع تنوع تعابيره اللغويةوالثقافية، نتاج للتعايش والتساكن والتمازج بين مكوناته(…) كما هو نتاج القيم المشتركة”3.
وهذا المنظور للتنوع الثقافي،واللغوي،في بناء الفرد وتشكيل الحضارة،هو ما تؤكده المنظمات الدولية (كاليونيسكو، والاسيسكو،والاكوموس…)، لمقاومة الفكر الاحادي الذي يسعى لتنميط تفكير الشعوب؛ لتذوب في عالم العولمة والراسمالية المتوحشة،وسياسة السوق 4 انسجاما مع الفكر العنصري للطغاة والمتجبرين، ومن المنظمات الاقصائية المتحيزة للرؤية والمقاربة الواحدة،والوحيدة؛ الامر الذي يستدعي التعريف وبيان اهمية التنوع الثقافي المسفيوي، مع التركيز على القيم المشتركة التي تبني حياة الفرد والمجتمع،قطريا ودوليا.ومما يزيدنا تشبتا بضرورة جعل التنوع الثقافي،والقيمي،ضمن برامج التنشئة الاجتماعيةلابنائنا، وللاجيال المقبلة، هو اهميته البالغة على حياة الافراد والمجتمعات.

1- 2-اهمية التنوع الثقافي بمسفيوة/ ايت اورير.

*على المستوى الفردي:
تتجلى اهمية التنوع الثقافي في مساعدتنا على التخطيط الجيد للمستقبل عن طريق حل المشكلات والازمات بشكل عقلاني،والمساهمة في بناء شخصية قوية مثقفة ومتواصلةمع الاخر.
*وعلى مستوى المجتمع:
فالتنوع الثقافي يساهم في الرفع من الكفاءات والانتاجية ،ويحقق الاحترام المتبادل المفضي الى السلم الاجتماعي،والقضاء على الصراعات حيث اشارت مديرة اليونيسكو ان :” لثلاثة ارباع الصراعات الكبرى في العالم ابعاد ثقافية” 5.
– بعض مظاهر التنوع الثقافي بايت اورير/نسفيوة. 

   يشكل التنوع الثقافي مجمل مظاهر الحياة الثقافية مادية ولامادية،عرفتها المنطقة منذ عصور،وشكلت هوية الساكنة، وحددت ملامح خصوصياتها وتجلى ذلك:
* على مستوى الالبسة نجد، ” اللوركاس” الخف، “اهدون” برنس(السلهام)، ” رزة” عمامة،” الكميت” خنجر، “اقشاب” قميص طويل(فوقية)،بالاضافة (التشامير،الفرجية) يلبسان تحت الجلباب، (اشكارة) حقيبة محمولة بالكتف…،ويتالف لباس المراةمن (القفطان) قميص سميك،(الدفينة) قميص رقيق فوق القفطان،الخواتم ،التيجان،الخلاخل الفضية “النقرة”،…
*اما بالنسبة للاغذية؛ وطرق طهيها، وطرق تحضيرها وطقوس اكلها، ومناسباتها، تحتاج الى بحث اكاديمي خاص،ومن بين الاطعمة المشهورة بالمنطقة؛ اكلة تكلا(الكاف ينطق كالجيم باللهجة المصرية)، الكسكس” سكسو” الذي عرف بشمال افريقيامنذ القرن الثالث ق/م،” العصيدة”، “تلخشى” (البيصارة، البيصر) اكلة الفول،…
* وفي مايخص الاعياد والمواسيم،فمعضمها توقف بسبب التمدن،والمد العولمي،ومنها موسم سيدي الحسين يوجد ضريحه فوق تل يشرف على مدينة ايت اورير.
ومن العادات الاحتفالية، والمظاهر الاجتماعية؛ هناك:
* لعبة تاكزدوف خلال ايام عاشوراء (اقاعهاشبيه بالدقة المراكشية المشهورة)،
*موسم جني الزيتون بطقوسه الكثيرة،…
*موسم جمع ” العشور” الزكاة،..
*الموروث الشفاهي المتمثل في الحكايات ، والقصص والاساطير، التي تروى للكبار والصغار( وقد يسند لها بحث خاص).وما يهمنا كثيرا من خلال هذا الموروث الثقافي والحضاري المتنوع للمنطقة،هو استنباط، واستقراء ،قيم انسانية نبيلة،ومحاولة بناء نسقها القيمي،الذي يشكل العمود الفقري للمنطقة ،وساكنة مسفيوة.
3- من التنوع الثقافي الى بناءالنسق القيمي المسفيوي.
تمثل القيم الجانب الوجداني/ المعنوي في الحياة الانسانية،وهي من المفاهم التي اهتمت بها كل الحقول المعرفية من منظورها الخاص،ويمكن تعريفها بانها:”المبادئ او القواعد التي تحكم سلوك فرد معين او جماعة معينة”5، و “تنظم سلوك الفرد وتتصرفاته”6،وتحدد معاييره لاتخاذ قراراته،كما تقيس صفات، ومواصفات الشخصية التي يحبذها المجتمع.
اما النسق القيمي،فهو:” عبارة عن مجموعة من العناصر(القيم) المتفاعلة فيما بينها،لكي تؤدي وظيفة معينة”7، ويعتبره دوركايم الشعور الجماعي او الجمعي. ومن بين القيم المشكلة للنسق القيمي بالمنطقة، من خلال استقراء اولي لبعض الاحداث التاريخية، ومظاهر وعادات ثقافية نذكر :
* قيمة التعاون؛ التى تتجلى في ما يعرف ” بالتويزة”،وهي تعاون جماعي في شتى الاعمال،كما نجد ظاهرة جمع “العشور” (الزكاة)،..وكانت المراة الامازيغية “ثمغارث”، اي الزعيمة،تعين الرجل”اركاز”، خارج البيت وداخله.
* قيمة التضامن:
     كانت قبيلة مسفيوة، ومنطقة إمي ن الزات – ايت اوريرحاليا- ملاذا للمعارضين،ولابناء السلاطين المطالبين بالحكم، كما فعل المتوكل السعدي(ق:15)، والمستضئ ابن السلطان مولي سليمان،والحسين بن محمد العلوي،وغيرهم ،هذا التضامن مع الفارين من الظلم، عرضهم دائما لانواع من التنكيل؛من حصار،وغارات،متكررة،من المخزن،…
* قيمة العفة:
    شكلت القيم الاسلامية المنبثقة من القران الكريم والسنة النبوية الشريفة،وتوجيهات الاولياء والصالحين بالمنطقة، شكلت ارضية خصبة لبروز قيم كثيرة بلورت النسق القيمي المسفيوي،بالاضافة للقيم السابقة الذكر،منها؛ 
* قيمة العفة:
     العفة الاخلاقية والمالية اذ رغم الحاجة،وقلة ذات اليد،نجد ساكنة المنطقة يتعففون عن اخذ ،او سرقة حاجات الغير،وهذا السلوك هو مالمسته شخصيا لتواجدي بثانوية ابطيح بايت اورير مدرسا لمدة عقدين من الزمن(من1990الى2009).
* قيمة العمل:
    شكل العمل قيمة اساسية في حياة ابناء المنطقة،فانصب اهتمامهم بالفلاحة،وتربية المواشي،والدواجن،..واهتمت النساء بحياكة الالبسة والزرابي،…وكانت هذه المنتوجات والصناعات تسوق بمدينة اغمات ومراكش وبالمناطق المحيطة والمجاورة.
* قيمة الادخار:
    فهو سلوك ينم عن حسن التدبير ،الذي امتاز به الامازيغ عن غيرهم،وحث عليه الاسلام،وهو مؤشر ومقياس اقتصادي على تقدم الدول،وتجلت هذه القيمة في ادخار فائض منتوجاتهم وممتلكاتهم القيمة بمخازن، اومشروع مصاريف(ابناك) “تسرفين” و” إ كيدر او اكودار”(الكاف كالجيم في اللهجة المصرية).
* قيمتا النضال والشجاعة:
    كانت المنطقة مستهدفة من طرف القبائل المجاور، ومن قادة السلاطين، لغناها الطبيعي، والفلاحي،والتجاري،…ذالك الاستهداف ولد لديهم الاستعداد الدائم للمقاومة والنضال المستميت.
* قيمتا التواصل والتعايش:
    كانت المنطقة ملاذا دائما للباحثين عن السلام والامن،ونجحت قبيلة مسفي…

                       *  باحث في مجال القيم.​​​​​​​
 المراجع:
1- بحث : الامازيغ تاريخ وحضارة للاستاذ احمد السنوسي.
–  بحث : جوانب من قضايا الماء بمسفيوة من خلال الوثائق العدلية،…للاستاذ رشيد شحمي.
2-  سورة الحجرات ،اية: 13.
3-  حوار بمجلة عالم التربيةعدد21لسنة2012،(محور العدد:التربية على القيم) صفحة: 16.
4- كتاب، حفاروا القبور نداء جديد الى الاحياء للمفكر رجاء(روجيه) جارودي…
5- كتاب، الفضائل والقيم… ،الدكتور جلال شمس الدين، صفحة: 10.
6-  نفس المرجع السابق،ص: 61.
7- ارتقاء القيم ،د،عبداللطيف محمد خليفة، سلسلة عالم المعرفة، عدد 160 لسنة 1992، ص: 36.
كما اعتمدنا على معلومات شفهية من طرف بعض الاصدقاء بالمنطقة مشكورين.

‏مقالات ذات صلة

Back to top button