
(كش بريس/ التحرير)ـ شهدت الدوحة، اليوم الاثنين، انعقاد قمة طارئة جمعت قادة من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، خُصّصت لبحث تداعيات الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف قطر، الدولة التي تقود وساطة لوقف الحرب الدامية على غزة. وقد تراوحت مواقف المجتمعين بين الإدانة القاطعة والدعوة إلى إجراءات عقابية ضد إسرائيل، وصولاً إلى مقترحات بقطع العلاقات الدبلوماسية معها والسعي لتعليق عضويتها في الأمم المتحدة.
البيان الختامي دان “بأشد العبارات” ما وصفه بـ«الهجوم الجبان وغير الشرعي» على قطر، مؤكداً التضامن الكامل مع الدوحة ودعم حقها في اتخاذ أي خطوات للرد. وأكد القادة أن استهداف بلد يقوم بدور الوسيط يقوّض جهود السلام الدولية، وأشادوا بما اعتبروه “موقفاً حضارياً وحكيماً” للقيادة القطرية في إدارة الأزمة. كما شدد البيان على رفض كل المبررات التي تحاول تلبيس الاعتداء الإسرائيلي أي مشروعية، محذّراً من تهديدات إسرائيلية جديدة.
ولم يقتصر البيان على الدفاع عن قطر، بل حذّر أيضاً من “مخططات إسرائيلية لفرض وقائع جديدة في المنطقة”، وأكد رفض أي محاولة لتهجير الفلسطينيين تحت أي ذريعة. وحضر القمة رؤساء دول وحكومات سعياً إلى صياغة ردّ جماعي يوقف ما وصفوه بـ«الجنون الإسرائيلي المهدِّد لأمن الشرق الأوسط»، فيما تزامن الاجتماع مع موجة إدانة دولية للهجوم، خصوصاً من حلفاء واشنطن الخليجيين. وكان وزراء الخارجية قد عقدوا مساء الأحد اجتماعاً مغلقاً لإعداد البيان الختامي.
يمكننا هنا أن نعرض أهم الملاحظات حول خطوات القمة وتداعياتها:
- قوة الخطاب مقابل محدودية الأفعال
- منطقياً: إصدار بيان شديد اللهجة وإعلان تضامن كامل مع قطر يوجّه رسالة سياسية واضحة بأن استهداف وسيط سلام أمر غير مقبول.
- نقدياً: تبقى القرارات في مستوى الإدانة الكلامية. فالدعوات إلى “معاقبة إسرائيل” أو “تعليق عضويتها في الأمم المتحدة” تصطدم بآليات معقدة داخل مجلس الأمن والجمعية العامة، حيث تمتلك قوى داعمة لإسرائيل (خاصة الولايات المتحدة) حق النقض أو نفوذاً سياسياً كبيراً.
- غياب آليات تنفيذية
- رغم تكرار الحديث عن “قطع العلاقات” و”اتخاذ موقف موحد”، لم يصدر عن القمة جدول زمني أو آلية متابعة، ما يجعل القرارات عرضة للتأجيل أو التلاشي.
- بعض الدول المشاركة تربطها بإسرائيل مصالح اقتصادية وأمنية، وهو ما يحدّ عملياً من إمكانية تحويل التوصيات إلى إجراءات فعلية.
- البعد الرمزي ودبلوماسية الرسائل
- الاجتماع العاجل نفسه يكتسب أهمية رمزية: فهو يبعث إشارة بأن الاعتداء على دولة عربية يُعتبر تهديداً جماعياً، ويُظهر قدرة عربية-إسلامية على تنسيق سريع.
- لكن من منظور النتائج، يبقى تأثير هذه الرمزية رهيناً بمتابعة لاحقة، مثل إنشاء لجنة تحقيق مستقلة أو دفع مجلس الأمن لاتخاذ موقف محدد.
- التوازن بين الوساطة والاصطفاف
- قطر التي تلعب دور الوسيط في حرب غزة تستفيد من دعم القمة لتعزيز شرعية وساطتها.
- إلا أن الانحياز المعلن ضد إسرائيل قد يعقّد دورها كوسيط “محايد”، ما قد ينعكس على فرص نجاح أي مفاوضات لوقف إطلاق النار.
- الإطار الأوسع: الضغط الشعبي والرأي العام
- القمة لبّت تطلعات الرأي العام العربي والإسلامي المطالب بردّ قوي على استهداف قطر وغزة معاً.
- غير أن هذا “الإشباع العاطفي” قد يُقابله خيبة أمل لاحقة إذا لم تترجم التصريحات إلى خطوات ملموسة، ما يفاقم فجوة الثقة بين الشارع والحكومات.
أبرز ما تحقق في قمة الدوحة هو توحيد الخطاب العربي-الإسلامي حول رفض الاعتداء الإسرائيلي وتأكيد دعم قطر كدولة وسيطة. غير أنّ قوة اللغة لا تكفي لمعادلة محدودية الوسائل، في ظل ميزان قوى دولي يميل لصالح إسرائيل. يبقى التحدي الحقيقي في الانتقال من بيانات الإدانة إلى خطط تنفيذية واقعية، سواء عبر ضغط دبلوماسي منسّق في الأمم المتحدة أو إجراءات اقتصادية جماعية يمكن أن تمنح الموقف العربي-الإسلامي وزناً حقيقياً على الساحة الدولية.