لحظة تفكير

أحـمـد الـشَّـهـاوي*: ما ينتجُهُ ليس نصًّا مُقدَّسًا

الكتابة اختيارٌ ، ولا أحد يجبرُ أحدًا على أن يجلسَ ليكتبَ ، وكُل الذين راحُوا إلى الكتابة وهم طامحون إلى الشُّهرة وجنْي المال يفشلون ولا يحقِّقون شيئًا ، وليس لديهم معرفة أو هم ليسوا من الموهوبين في الأرض .

وعلَّمتني تجاربُ الكتابة أنه إذا بدأتَ كتابةَ نصٍّ ، فلا ينبغي لك أن تتوقَّف ؛ لأنَّ في التوقفِ ابتعادًا عن الحال والأجواء التي كُنتَ عليها ، ومن الصعب استعادتها ، وإن استعدتها من جديدٍ فسيكُون هناك اختلافٌ واضحٌ ، بحيثُ يستطيعُ القارئ الحصيف أن يعثُر على مناطق القلق والانتقال من حالٍ إلى حال ، وهذا ينطبقُ على القصيدة والرواية والقطعة المُوسيقية واللوحة ، فما أن تمسك الخيطَ عليك ألَّا تفلته من يديك ؛ لأنَّ طائرتك الورقية ستسقطُ في مكانٍ ما أو يخطفها أحدُهم أو يشتبكُ الخيطُ مع آخر ، أو يعطِّل الهواءُ طيرانَ طائرتك .

لا ألتزمُ بجدولٍ يوميٍّ في الكتابة ولا بعدد الكلمات التي أكتبُ ، فأحيانًا أكتبُ ألفيْ أو ثلاثة آلاف كلمة دفعةً واحدةً أو بضع مئات وأحيانًا لا أكتبُ شيئًا ،

( وليم فوكنر (25 من سبتمبر 1897 – 6 من يوليو 1962ميلاديًّا ) كان يكتبُ ثلاثة آلاف كلمة كل يوم ، وأحيانا ستة آلاف ، ومرَّةً أخبر أمَّه أنه كتب عشرة آلاف كلمة من العاشرة صباحا وحتى منتصف الليل )

وعدم الكتابة يعُودُ إلى الانشغال بأشياء أخرى حول الكتابة أو الأسفار التي تقطعُ حبْل العمل على نصٍّ ، وكم من كُتَّابٍ رفضوا أسفارًا مهمة جاءتهم وقت كتابة عملٍ روائيٍّ مثلا خَشية عدم القدرة على العودة إلى الكتابة بالنَّفَس نفسه .

صرتُ أكتبُ في الصَّباح والمساء ، في بيتي أو في الفنادق ، في القاهرة أو في قريتي كفر المياسرة ، في المطارات أو في البلدان التي أنزلُ فيها لأسبوعٍ أو لأشهرٍ ، المُهم ألا يكون أحدٌ معي ؛ فالعُزلة مطلوبة ، لأنَّ المُقاطعة تقطعُ حبْل الكتابة وتشوِّش على الفيض ، ولا تأخذ الذهن بعيدًا عن المقصد الذي يحتاجهُ الكاتبُ أو الشَّاعر .

فيكفي الوقت الذي أهدرتُه سابقًا في المقاهي والندوات والمُجاملات واللقاءات الاجتماعية ، وصرتُ أكثر صرامةً وانضباطًا ذاتيًّا من ذي قبل ، وحريصًا على الوقت أكثر من أي وقتٍ مضى ، لأنَّ كُلَّ ساعةٍ تنقضي من عمر الإنسان لن تعُود ثانيةً .

وأنا من الذين التزمُوا منذ عام 1994 ميلاديا بعرض ما أكتبُ على عددٍ محدُودٍ من أصدقائي الخلَّص في الحياة ؛ لأستضيئ بآرائهم ، طالبًا منهم آراءهم السلبية فقط ، لأنَّ ما هو إيجابيٌّ أعرفُه ولا يهمني في هذه الحالة ، ولمَّا يبدُون ملاحظاتهم ،

أحذفُ فقط ما يوافقُ مِزاجي ورُؤيتي ، لأنَّ كل صديق يقرأ طبقًا لرُؤيته وقناعته ، ويرى النصَّ من وجهة النظر التي تتطابقُ مع سيرته ومسيرته ،

وبطبيعة الحال دائمًا ما أتركُ أيَّ نصٍّ أكتبُه وقتًا طويلًا ، ثم أعودُ إليه ناقدًا ، غريبًا ، كأنه لا يخصُّني ، وتصبحُ نتيجة المُراجعة مُجدية ومُفيدة لحذف ما أراه زائدًا ؛ لأنَّ الكتابة الأولى مرحلةٌ من مراحل عملية الإبداع ، ويظلُّ تحريرُ النص ومُراجعته مرحلة مهمة ؛ لأنَّ المبدع كائنٌ بشري وما ينتجُهُ ليس نصًّا مقدسًا ، وعليه فإنه ينبغي النظر كثيرًا فيما يكتب ، وفي دور النشر الغربية يوجدُ مُحررٌ أدبيٌّ للشِّعر ، وآخر للرواية ، وثالث للقصة القصيرة ، ورابع للكُتب غير الأدبية وهكذا ، لكن في بلداننا يرى كل شاعرٍ أو روائي أنه نبيٌّ أو إلهٌ لا ينبغي لأحدٍ أن يناقشَه أو يُغيِّر في نصِّه كلمةً أو سطرًا .

*ahmad_shahawy@hotmail.com

‏مقالات ذات صلة

Back to top button