المجتمع

السياسة المائية بالمغرب.. خطط استراتيجية أنتجت العطش

عبدالهادي الموسولي

 تستعرض كل أمم العالم يوم 22 مارس، اليوم العالمي للماء، منجزات سياساتها المائية . تقيم الحصيلة وتستشرف المستقبل ، وخاصة الدول التي تصنف في خانة الخصاص المائي ، التي نصيب الفرد فيها يقل عن 1000 متر مكعب من المياه المتاحة ، ومنها المغرب الذي يقل فيه نصيب الفرد من المياه عن 500 متر مكعب . وحسب لغة الأرقام فإن المغرب بلد فقير جدا من حيث الموارد المائية . وحدة فقره ستزداد بشكل كبير مع واقع التغيرات المناخية .

فبالنظر الى السياسة المائية بالمغرب ، يبدو أن حجم الكلام والدعاية الإعلامية أكبر من الواقع الهش . حيث أن المغرب يتوفر على 283 سدا ما بين كبير ومتوسط وصغير تبلغ حقينتها الاجمالية 19 مليار متر مكعب ، بما فيها أكثر من 15 في المئة ترسبات ، وحسب المصادر الرسمية فإن حقينة هذه السدود الى حدود فبراير من السنة الجارية أقل من 30 في المئة ، وبالضبط 5 ملايير متر مكعب . هذا يعني أن السدود الصغيرة والمتوسطة جافة عن آخرها وخاصة في وسط المغرب ، شمال وجنوب الأطلس الكبير. والجهة الشرقية .

تؤكد الدراسات الرسمية أن المغرب بإمكانه تخزين 30 مليار متر مكعب بدل 19 مليار . هنا تطرح عدة أسئلة : لماذا لم يتحكم المغرب في موارده المائية بالكامل ؟ وهل سياسة السدود مجدية في مناخ هش مثل مناخ المغرب ؟ وهل للماء أولوية في سياسة الدولة ؟ واسئلة كثيرة يصعب طرحها ، كما تصعب الإجابة عنها . إن الملاحظ أن بناء السدود في بداية القرن الحالي لم يكن على قائمة الاختيارات الاستراتيجية ، بل أن البنى التحتية هي من كان لها نصيب الأسد من الإنجاز كالموانئ والمطارات والطرق السيارة . لكن من الأخطاء الاستراتيجية إعطاء أسبقية لملاعب كرة القدم والقطار السريع على حساب بناء السدود والمنشآت المائية .  أضف الى ذلك التأخر الكبير في تحلية مياه البحر ، وخاصة أن المغرب ينفتح على المحيط الأطلسي ، ويستفيد من الاشعاع الشمسي طول السنة .

ولطالما تغنى الاعلام الرسمي بسياسة السدود، لكنه اليوم يجد نفسه في مازق ، حيث أن أغلب السدود خاوية على عروشها أو قد ملأ الطين والردم أحشائها . بل أن بعض السدود يجب أن يفتح تحقيق في نفاذ مخزونها المائي بسرعة البرق ومنها سد المسيرة على واد أم الربيع ، باعتباره ثاني أكبر سد في المغرب ، يوفر احتياجات أكثر من 10 ملايين نسمة من السكان بكل من الدار البيضاء ومراكش ومحيطهما .

وغالبا ما يتم توجيه أصابع الاتهام للنشاط الفلاحي ، باعتباره مستنزف كبير للموارد المائية . لكن يتم السكوت عن مستنزفين أخرين ومن ذلك قطاع المناجم والقطاع السياحي ، فالمناجم تبدر كميات كبيرة من الماء في عزل المعادن النفيسة ، بينما السياحة تستعمل الماء كأداة ترفيه ، في بلذ على حافة العطش، وخاصة في فصل الصيف . واذا كان القطاع الفلاحي يبدر أكبر كمية من الماء ، فإن الدولة هي من يشجع كبار الفلاحين الاقطاعيين على ذلك ، من خلال تشجيع تصديرهم للخضر والفواكه ، على حساب الثروة المائية والسوق الداخلية . كما يلاحظ أن سياسة بناء السدود غير عادلة ولا تشمل كل التراب الوطني . فهناك نقاط مهمة تركت لأرباب المقالع رغم أنها تتمتع بمورفولوجيا مناسبة لأنشاء السدود . وهناك مناطق أخرى شيدت فيها سدود صغيرة تملأها المياه والأوحال في بضع ساعات ، بينما المياه تذهب إلى البحر مثل سدود جهة سوس ومراكش . 

إن الوضع خطير جدا يتطلب المزيد من الوضوح والتعبئة وتحديد المسؤوليات ، لأن الجفاف الذي يضرب المجال المغربي لا مثيل له عبر التاريخ . فخلال الصيف الماضي سجلت أرقام مخيفة لأول مرة في تاريخ الجريان المائي بالمغرب ، حيث جف نهر أم الربيع تماما  في مجموعة من النقط منها دار ولد زيدوح قرب مدينة بني ملال . كما عجز نهر ملوية عن الوصول الى مصبه شملا بالبحر المتوسط . كما سجل تناقص حاد في المياه الجوفية بكل التراب المغربي . ولولا الأمطار الأخيرة خلال مارس الجاري لكانت البلاد والعباد في وضع كارثي بكل المقاييس .

‏مقالات ذات صلة

Back to top button