‏آخر المستجداتلحظة تفكير

انزلاق ملحوظ نحو اليمين المتطرف*: إسرائيل والانقلاب الهوياتي في الدولة

الكاتب: شارل أندوغلان (ترجمة: عبد الرحيم جدي)

تقديم: هذه ترجمة ، بتصرف محدود ، لجزء من مقال نشرته الجريدة الشهرية الفرنسية ” لوموند ديبلوماتيك ” خلال شهر فبراير الجاري بالصفحة 9 منها . ويلاحظ أن كاتب المقال، الصحفي شارل أندوغلان ، كان حذرا للغاية في صياغة المقال إذ تجنب كل تحليل أو تعليق واقتصر على سرد وترتيب عناصر البرنامج السياسي الذي يستعد التحالف الحكومي بقيادة نتنياهو لتنفيذه .. وهو برنامج سيفضي ، إذا لم يقاوم ، إلى نكبة جديدة للفلسطينيين تفوق مفاعيل نكبة 1948 ، كما يسلط الضوء عن خلفيات سياسة تطبيع إسرائيل مع بعض الأنظمة العربية لاستعمالها كغطاء دبلوماسي لسياسة التطهير العرقي المرتقبة للفلسطينيين من الأراضي المحتلة .. ولن يكون للعالم ما يقوله في الموضوع بوجود أنظمة/ دول عربية على وفاق دبلوماسي واستراتيجي مع إسرائيل …

………

نجح ب . نتنياهو – الذي كان شغل منصب رئيس الحكومة من مارس 2009 إلى غاية يونيو 2021 – نجح في العودة إلى السلطة مسنودا بأغلبية 64 نائبا -من أصل 120 – من القوميين والمتطرفين والمهدويين ، وبوسعه الآن تحقيق مشروعه الكبير : تأسيس نظام جديد في إسرائيل مبني على قومية يهودية سلطوية ومتدينة في قطيعة مع الرؤية الديمقراطية لآباء الصهيونية المؤسسين (… ) .

وإذ تميزت المرحلة الأولى ، خلال يوليوز 2018 ، بتبني الكنيسيت لقانون إسرائيل الدولة-الأمة الخاصة بالشعب اليهودي وهو قانون أثار جدلا كبيرا باعتباره عنصريا إزاء باقي الأقليات العربية والدرزية ، فإن المهمة الراهنة تتعلق بلجم دولة القانون ، إصلاح التربية الوطنية ، تنزيل الأطر المسيرة للنظام الأمني ، سحق معارضة اليسار ، فرض القومية اليهودية كهوية وطنية ، متابعة استيطان الضفة الغربية والاستمرار في تحييد السلطة الفلسطينية .

أسند (نتنياهو ) مهمة تغيير النظام القضائي إلى السيد ياريف لوفان ، مختص بالقانون ونائب برلماني ، والذي تجند منذ انتخابه على لائحة الليكود سنة 2009 لتنفيذ المهمة ضد القضاة . مباشرة بعد تعيينه وزيرا للعدل بتاريخ 4 يناير الأخير قدم مشروعه المتعلق “بإعادة التأسيس العرقي ” المستند إلى فكرة أن “الشعب ” منح الأغلبية المنتخبة شرعية الحكم منفردة بدون تدخل القضاة الذين لم يصوت عليهم أحد . وتبعا لهذا البند الموسوم ” بالالتفاف” سيكون من حق أغلبية أحد وستين نائبا إلغاء قرار المحكمة العليا عندما يقضي بعدم دستورية قانون ما . ويصر الوزير على أن ” أي قانون صوت عليه الكنيسيت لا يمكن إلغائه من قبل قاض ” ، هذا بالإضافة إلى وجوب إخضاع الهيئة الجماعية لتعيين أعضاء المحكمة العليا لرقابة الأغلبية الحكومية. وهناك إجراءات أخرى منتظرة ، كإعادة صياغة بعض فصول القانون الجنائي بما يقلل من حالات الوضع تحت الرقابة القضائية لشبهة الرشوة داخل الطبقة السياسية .

نظريا سيكون نتنياهو في وضعية تسمح له بتعيين القضاة الذين سيبتون في الطعن بالاستئناف الذي من المتوقع أن يرفعه إذا ما توجت محاكمته الجارية الآن بإدانته من أجل الغش وخيانة الأمانة والارتشاء .

لم تنخدع السيدة إستير حيّوت ، رئيسة المحكمة العليا ، بالمشروع. خرجت لأول مرة عن واجب التحفظ ، وبصفتها القاضية الأولى للبلد ، أدانته بشدة واعتبرته ” هجوما ضد النظام القضائي ، كأنه يتمثل عدوا يجب ضربه والتحكم فيه . هذا الإصلاح يحمل الضربة القاضية للديمقراطية .” . ورد عليها وزير العدل باتهامها بالانتماء إلى ” الحزب الذي لم يتقدم للانتخابات ، ويضع نفسه فوق الكنيسيت وقرارات الشعب . بلاغتها تشبه الأعلام السوداء التي تلوح في التظاهرات . ونداؤها يهدف إلى إشعال الشارع بإسرائيل .” .

من جهته ، لم يتأخر السيد أهارون باراك – 86 سنة والرئيس السابق للمحكمة العليا بين سنتي 1995 و 2006 – عن إطلاق تحذير خاص بمناسبة تدخله في البرامج التلفزية الإسرائيلية وإعلانه أن ” هذا الإصلاح يؤسس لطغيان الأغلبية ويشكل خطرا على الديمقراطية بإفراغها من أي مضمون . إذا نفذ ، لن يكون هناك إلا سلطة واحدة في البلد هي سلطة الوزير الأول .” (… ) وعندما سألته صحفية من القتاة 12 ” ماذا تقترحون على الجمهور ؟” أجابها ” إذا لم نصل إلى اتفاق ، يجب خوض المعركة ، في إطار القانون من طبيعة الحال ، لكن إذا تعين التظاهر من جديد ب ” بلافور ” .. فلتكن التظاهرات ببلافور .. ليس لنا بلد آخر” . من المعلوم أن الإقامة الرسمية لرئيس الحكومة توجد بزنقة بلافور /القدس .

إضعاف المحكمة العليا ، بصفتها المؤسسة الوحيدة التي يلتجئ إليها الفلسطينيون للدفاع عن حقوقهم ، سيمكن من تجاوز آخر الفرامل القضائية التي تحد من تطور الاستيطان . قبل 24 ساعة من تنصيبه ، غرد نتينياهو على تويتر مفصحا عن السطور الأولى من اتفاق التحالف قائلا :” للشعب اليهودي الحق المطلق غير القابل للتفويت على أرض إسرائيل . ستطور حكومتي الاستيطان في كل مكان ، بما فيه الضفة الغربية ” (…)

لتأكيد” ضربة المعلم “هذه ، أهدى رئيس الحكومة مفاتيح الضفة الغربية والأمن الداخلي للائحة “الصهيونية الدينية “، التحالف الذي تعهدّه بالرعاية و المتكون من ثلاثة أحزاب من المستوطنين الأكثر تطرفا . سيتولى “بزاليل سموتريش ،” من مستوطنة كيدوميم قرب نابلس ، الحقيبة الأكثر أهمية ، وزارة المالية إضافة إلى منصب وزير منتدب لدى الدفاع حيث من صلاحياته تعيين قياد وحديتن عسكريتين : الإدارة المدنية للضفة الغربية و وحدة تنسيق الأنشطة الحكومية بها . هاتان البنيتان تديران الروابط مع السلطة الفلسطينية وتراقبان كل ما يدخل أو يخرج من الأراضي الفلسطينية كما تتعهد بإدارة السكان المدنيين . يعارض جنرالات الجيش تدخل عناصر سياسية من اليمين المتطرف في سلسلة القيادة . وحسب أستاذ القانون ، مردخاي كريمنيتزر، سينتقل الفلسطينون من وضعية الاحتلال العسكري إلى نظام جديد يضعه المستوطنون والذي سيقود بدون شك إلى إدانة إسرائيل من قبل محكمة العدل الدولية بلاهاي .

ومن مهام الوزير سموتريش كذلك ، تعزيز منع بناء وحدات سكنية فلسطينية بمنطقة س – علما أن 60/° من أراضي الضفة الغربية تحت السيطرة الكاملة لإسرائيل – مع السهر على تسوية الوضعية القانونية لمئات المستوطنات التي بنيت بدون ترخيص حكومي . إذ يجب ربطها بالبنيات التحتية الوطنية ، من كهرباء وماء واتصالات . الوزير الجديد يعتبر السلطة الفلسطينية التي يرأسها محمود عباس “كيان إرهابي ” ولا نية له في تقديم أي مساعدة لها .

من جهته ، حقق إيتمار بنغفير ، المنحدر من مستوطنة “كريات أربا ” قرب حبرون ، نائب برلماني و زعيم حزب “القوة اليهودية” الذي يستلهم الأطروحات المتطرفة للحاخام ميير كاهان الذي دعا إلى طرد جميع الفلسطينيين بما فيه مواطني أراضي 1948 و منع حزبه “كاش “سنة 1994 لاعتباره عنصريا – حقق بنغفير أحلامه الأكثر خبالا :فهو الآن وزير الأمن الوطني ، على رأس الشرطة الوطنية التي كانت تعتبره إلى غاية سنة من قبل ،محرضا عنصريا خطيرا كما سبق للجيش أن رفض إدماجه لكونه غاية في التطرف . خلال الخريف السابق ، صوّر بأحد أحياء القدس الشرقية حاملا مسدسا ويهدد الفلسطينيين . وبتوجيه من ” كفيله” نتنياهو الذي كان يلتقيه بشكل منتظم خلال الحملة الانتخابية ، لطّف بنغفير من خطابه و منع على مناصريه الصراخ ” بالموت للعرب ” واستبدالها “بالموت للإرهابيين ” .. وهو قريب من معهد الهيكل ، المؤسسة التي تعمل على بناء معبد ثالث بالقدس ، وكان ، قبل تعيينه وزيرا ، مناصرا لإلغاء منع اليهود من الصلاة بباحة المسجد الأقصى ، ثالث الأماكن المقدسة للإسلام (….) .

ترجمه بتصرف: عبدالرحيم جدي

‏مقالات ذات صلة

Back to top button