لحظة تفكير

د عبد الرحمن بودرع: تُنقَضُ عُرى الدّينِ عُروةً عُروةً

ـ 1 ـ

قالَت “ناشطة من ناشطات رابطَة منظمة سيدات أعمال البحر الأبيض المتوسّط” إنّ بابَ الاجتهاد تُسيطرُ عليه نخبة من العلماء المحافظين تخشى أن يشتركَ فيه غيرُها فيؤدي ذلك إلى تغير في توجه المُجتَمَع، وانفلات لهيمنة مجالس العلماء على المجتمع.

قالَت ذلك في برنامج موضوعُه حقوق المرأة والمساواة والتكافؤ في قناة إعلامية رسمية…

وأمثال هذه السيدة كثير، من النساء -والرجال أيضاً- تَسعى لإلحاق البلَد بمصافّ الدول الكبرى في “المساواة” والمواريث والكفالة والحضانة والمِلْكيّة والمسؤوليّة ومحو كل الحدود الفاصلة بين الذّكور والإناث، وإتاحة المجال للقاء الذّكور بالإناث في علاقات رضائية تَسامُحية، وعدم المحاسبَة القانونية لفئة من المواطنين بدعوى حساسية الملفات…

غير أنّ الملحوظَ في حديثها عن تأثير العلماء في توجيه المجتمع، أنّ العلماءَ ليس لهم التأثير الحاسم الذي زَعَمته، فهم يُستشارون فقط، ولا يُترَك لهم تأثير فاعل في الحركة الاجتماعية والسياسية، بل يُحظرُ عليهم المشاركة في اللفعل الاجتماعي، وذلك كله حفاظا على التوازن الشكلي والحضور غير الفعليّ.

يبدو أنّ المجتمعَ سيظلُّ عُرضةً للخَرْق والشدّ والجذب، والمؤسسةُ الدّينيةُ تُفْرَغ من مُحتواها حتى لا يبقى إلا الصورةُ المزيِّنةُ للمشهَد الذي لا تأثير له في تَدبير التّنوُّع.

ـ 2 ـ

زمان الخَدّاعين. عبَّرَت عنه بلاغةُ الحديثِ النبويّ “بالسَّنَواتِ الخََدّاعات”، فأسندَت الخداعَ للسنين، إسنادَ مَجازٍ .

ومن مظاهرِ الخدّاعين الحقدُ على الدّين ونسبةُ كلِّ مساءَةٍ إلى الإسلامِ والمسلمين، بطرُق ملتويةٍ حتّى لا يُحْكَمَ عليهم بالمروقِ، و”الخَدّاعونَ” مارقون متمادون في البحث عن كلّ وسيلة للطعن والتشكيك في صدقِ الرسالَة وصدق النبوّة، ألَم يقل الله تعالى: “وقالت طائفةٌ مِن أهل الكتاب آمِنوا بالذي أُنزِلَ على الذبن آمَنوا وَجْهَ النَّهار واكفروا آخِرَه لعلهم يَرجِعون. ولاتؤمنوا إلا لِمَن تَبع دينَكم”

فكشفَ تَلاعبٌ أهل الكتابِ وتَحايُلَهُم في المروق والنفاقِ، وفي البٌروزِ للعالَم بألف وَجه ولِباسِ ألفِ لَبوس، هذه هي المظاهرُ الخَدّاعَة التي أخذها ذوونا المارقونَ عَن طائفةٍ من أهل الكتاب المارقينَ. أخذاً مُشوَّهاً ونسخوهم عنهم نسخاً رديئاً، فكان الفَسادُ فَسادَيْن، انظرْ إلى الناشئة اليومَ لا دينَ ولا خُلُقَ ولا هويةَ ولا قلبَ ولا لسانَ. إلا مَن رحم الله.

كثيرٌ من الإعلاميين ينشرونَ الفسادَ والكذبَ والعَبَثَ، وكثير من أصحاب الشأن السياسيّ يَحرصون على جلبِ مصالِحِ أنفُسِهم من مَناصِبِهم… يَركبون كلَّ مطيّةٍ توصلهُم إلى مُبْتَغاهم، فيكذبون ويسرقون الوَطَنَ ويخونونَ الأمانة العامّةَ ويُدمرون الهويةَ، وفي أمثالهم ورَدَت الصفاتُ التي في الحديث:

“يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ قِيلَ وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ قَالَ الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ”

ـ 3 ـ

أيُّها المُجزِّئَةُ المُفرِّقَةُ :

يَعنيني من الأمة كلُّ شبرٍ فيها، من خَليجها إلى مُحيطها، كلّ ذرّةٍ من رمالها، كلّ هبّةٍ من رياحها، ونسَمة من سكانها، هُم أهلي على كلّ حالٍ وجيرَتي وعِترتي وكلّ ما أملكُ. تختلفُ أطرافُها كما تختلف الأمعاء في البطن الواحد ولا تَقْوى أن تخرجَ، ويغضبُ بعضُها من بعض، ولا يَملكُ أن يَغْنى بعضُها عن بَعضٍ، ويظلُّ الشقيقُ شقيقاً والجارُ للجار جاراً وحَبيباً، أمّا العدوُّ الأبيضُ الخَبيثُ الوافدُ مِن وَراءِ البِحار، الطّامعُ في الأرض خيراتها، فلا يَميزُ بينَ بَلَد وآخَر ما دامَ البلدُ مسلماً، فكلُّنا ثورٌ أبيضُ أو أسودُ؛ وكلُّنا مَأكولٌ قَبلَ أخيه أو بَعْدَه.

لا بدّ أن يَعود الشقيقُ إلى شقيقه ويجلسَ العُقَلاءُ بعضُهم إلى بعضٍ، مُفوِّتين الفرصةَ على الشيطان الأبيض الذي يَقولُ لهم: إنّي لكم ناصحٌ أمين.

ـ 4 ـ

إلى أينَ؟ وإلى مَتى؟

آيةٌ كبْرى من آياتِ النّفاق يُساعدُ على نموِّها وانتشارِها السياقُ العامُّ والمشهدُ التداوليّ؛ “أعداءُ الأمّة من صَميمها” وحصنُها مُهدَّد من داخلِها:

كثيرٌ من المَغمورينَ يَعْتدُّونَ أنفسَهم مَشهورينَ صَرَّحوا بلا استحياء، بأسلوبهم الركيك: بأنّ المواظبةَ على الصلاة :

«إحدى “مؤشرات” الانحراف بالنسبة للأبناء في اتجاه التطرف والتشدد »،

هذا قولُهم بالحرفِ !!!

من غير تعليق، لا يُقالُ لكُم إلاّ ما قالَ الله لأمثالِكم: «كَلّا لا تُطعْه واسجُدْ واقتربْ»، وما قيلَ لأمثالِكم مِن قَبلكُم: أنتم أسبابُ أزمات الأمّة وتصدّعها وتشقّقها وانحرافِ أبنائها وسُقوط شبابها، الأمّة اليومَ مشغولة بالحرب على الإسلام والحرب على العربية والحرب على الحياء والحرب على التعليم والحرب على القيم. والحرب على الصّلاة.

لقد اجتمَعَت عصابةٌ من الحاقدينَ، كلٌّ يَضربُ بمعوله في ركن من أركان البَلَد. قَصُرَت همَمُهُم وصغُرَ شأنُهُم، يُخربونَ بيوتَهم بأيديهم ويَخرقون سفينتَهم بمَعاولِهم. فإن كانَت هذه عقولَهم فقَد فاتَ قطارُهُم، ولكنّهم ما زالوا شهداءَ سوءٍ ومعرّةٍ على عصرِهم..

ـ 5 ـ

تُنقَضُ عُرى الدّينِ عُروةً عُروةً:

– المساواة في الإرث وإعادة القسمَة وفقَ القوانين الجديدَة،

– الاستغناء عن بعض الشعائر كأضحية العيد،

– دفعُ تكاليفِ العُمْرَة إلى الفقراءِ والمساكين فهم أولى بها من أداء العمرة، حسب التصور الجديد،

– أحاديثُ صحيح البُخاري تحتاج إلى إعادة نظر وإعادة تصنيف لأنّ فيها أحاديثَ “لا يقبلها العقلٌ” أو “لا تُواكبُ العصرَ”.

– التخفيف على الأطفال وعدم حملهم على الصلاة فهي أمر خاص لا دخل لأحد فيه،

– الشأن الديني كالرياضة أو السباحة والسياحة أمر شخصي فردي من شاء فَعَله ومن شاء تَرَكَه،

– حرية المعاشرة خارجَ مؤسسة الزواج وهو فعل لا يُعدّ زناً إذا كان بالتراضي،

– اللواط والسحاق علاقات شخصية لا دخلَ لأحد فيه.

عن أبي أمامةَ الباهليّ عن النبي صلى الله عليه وسلم قالَ: “لَتُنْتَقَضَنَّ عُرى الإسلامِ عُروةً عُروةً، فكُلما انتقضَت عُروةٌ تَشبّثَ الناسُ بالتي تَليها…”

‏مقالات ذات صلة

Back to top button