فنون وثقافةلحظة تفكير

د عبد العلي الودغيري: الكلمات الخادعة والشعارات الزائفة

كم من كلمات سحرية جديدة دخلت قاموس المكر الدولي والخداع العالمي، وتحوّلت إلى أقراص تنويم وأساليب تضليل لسلب إرادة المجتمعات حتى تتم السيطرة الكاملةُ عليها: محاربة الإرهاب والجماعات الإرهابية، الدفاع عن الديموقراطية، حماية حقوق الإنسان، الحرية والمساواة… كلها عبارات حين نسمعها تُلاك اليوم على ألسنة قادة الغرب وسماسرته وطبوله الإعلامية، وهم يسوّغون خوضهم في الشؤون الداخلية للبلدان المستضعفة، وتهديدهم باستعمال القوة العسكرية والحصار الاقتصادي لفرضها، تنتابنا موجة ضحك وسخرية عارمة من الحيَل السخيفة لهؤلاء اللصوص الذين يستغفلوننا لاقتحام بيوت الآخرين والاستيلاء على ما فيها في واضحة النهار. وبما أن اللصوصية أصبحت سلوكًا دوليًّا معترفًا به، فقد جعلت لها هيئات ومنظمات متضامنة تدافع عن كيفية توزيع الحصص بين أعضائها.
كلمات وعبارات، كم صارت متَّسِخة ومُنَفِرّة وماكِرة، حين تحوَّلت إلى شَفرات سرية لإعادة احتلال الدول الضعيفة واستغلالها وامتصاص دمائها وثرواتها، وستارٍ تتخفّى وراءها كل الأيدي القَذِرة التي تتلاعب بإرادة الأُمم والشعوب. الاستعمار الجديد، لم يعدم الحيلة، فسرعان ما وجد فيها وسيلة جديدة للعودة بأشرس مما كان عليه من قبل. الاستعمار القديم كان يتذرَّع بحجة نشر الحضارة والمدنية، وقد رأينا ما آل إليه الأمر من بعد. والاستعمار الجديد يستعمل اليوم حججًا شبيهة لا تقل عنها مكرًا وخداعًا لتخدير العقول وتعطيل أدوات التفكير، والاستسلام اللاشعوري لرغباتهم وطموحاتهم.
كلمات وشعارات لا يملّ الغرب من تردادها بتلَذُّذ وتفخّم وتبجُّح مع كل ما يلازمها من غطرسة وصَلَفٍ واستعلاء ونظرة احتقار، كلما تحدثوا عن علاقتهم بمستعمراتهم القديمة وشعوبها، معتقدين أنهم ما زالوا قادرين على إقناعها بهذه الأكاذيب المبتذلة المفضوحة التي لم يعد على وجه الأرض من يثق في كلامهم الزائف عنها. هل هناك شخص في إفريقيا ما زال اليوم يصدِّق أن استمرار الوجود الفرنسي المهيمِن على كل المجالات، ليس وراءه شيءٌ سوى هدف نبيل وهو تحقيق الديموقراطية ونشر العدالة والمساوة للشعوب الإفريقية، والكلُّ يعرف أنها لا يمكن أن تعيش يومًا واحدًا دون تدفق الخيرات الإفريقية وثرواتها وسواعد وأدمغة أبنائها التي دأبت على استغلالها منذ عقود طويلة دون أي إحساس بالذنب أو الخجَل تجاه المعاناة الطويلة للمنطقة التي تمتص دماءها تحت تلك الشعارات السخيفة؟ هل يمكنها أن تستغني عن استثمارها البعيد المدى الذي نجحت إلى حد بعيد في بنائه لمدة طويلة في المجال الثقافي واللغوي؟
الديموقراطية، وحقوق الإنسان والحرية، والمساواة … مبادئ نبيلة، يجب أن تعمل الشعوب والمجتمعات من تلقاء نفسها على تحقيقها بإرادتها الذاتية النابعة من وعيها وإيمانها دون زيف ولا تلاعب، وليست شعارات تُفرَض من الخارج بقوة الحديد والنار، ويستغلها الفاسدون في الداخل والمتغلِّبون والمتسلِّطون من الخارج، ويستعملونها أداةً لبسط سيطرتهم وسرقة ثروات المستضعفين ليظلوا دائمًا تحت رحمة هؤلاء اللصوص الداخليّين والخارجيّين.

‏مقالات ذات صلة

Back to top button