فنون وثقافةلحظة تفكير

د/عبد العلي الودغيري: اللغة في وسائل الترفيه

قرأت خبرًا يبشّر الناس بالشروع في إنتاج أفلام كَرطُونية مغربية للأطفال، سوف تبدأ قريبًا في بث حلقاتها بالدارجة. لا يهمني الآن أن أتكأد من كون هذا الإنتاج المغربي الأولَ من نوعه أم أنه مسبوق بغيره. ولكن يهمني أن أسال: هل هذا خبرٌ يُفرح أم يُحزِن؟ صاحب الخبر يعتقد أنه يزفّ بُشرى وكأنه فتح مبين. ولكني أرى أن من أهم وظائف وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية بأنواعها، وظيفة تنمية مدارك الأطفال واليافعين وترقية أذواقهم والرفع من مستوى تحصيلهم العلمي والثقافي، وتوجيه البرامج الترفيهية المخصّصة لهم نحو تحقيق هذا الهدف النبيل. وأقل ما يمكن أن تقدمه لهم في هذا الإطار هو مساعدة المدرسة في تنمية قدراتهم اللغوية ببثّ برامج بلغة المدرسة والكتاب والعلم والتعليم لا بلغة الشارع التي لا يحتاجون لمن يعلّمها لهم، ولا يحصلون منها سوى على ترفيه مجّاني سريع. فإذا كانت مدارس البعثات الفرنسية والمدارس الخاصة الدائرة في أفلاكها تفرض، بتعليمات صارمة، على أولياء الأطفال والتلاميذ أن يمتنعوا كلّيا عن التحدث إلى أبنائهم بغير الفرنسية داخل البيوت وخارجها، فإن أبناء الشعب في المدرسة العمومية، لا يجدون عند مغادرة الفصول الدراسية، من يكلمهم بالعربية الفصيحة المعيارية لا في البيت ولا في الشارع. ثم يأتي الإعلام العمومي والخصوصي ليزيد من استبلادهم وعزلتهم وإبعادهم عن لغتهم الرسمية في مستواها الذي يرتقي بمعارفهم وتحصيلهم ويُغنيه ويُضيف إليه، ويُكمِّل وظيفة المدرسة ويُعينها على القيام بواجبها. عندما كنا صغارًا، كان المعلمون الفرنسيون يدرّبوننا ويشجعوننا في حصص اللغة الفرنسية على قراءة ʺ الأشرطة المرسومةʺ التي كانت منتشرة بشكل كبير. فهم يعتبرونها من الوسائل الناجعة في تعليم اللغة، وما تزال اليوم هذه الوسيلة مستحسَنة لديهم، بالإضافة إلى ما جدّ في عالَم اللعب الخاصة بالأطفال التي توجَّه كلُّها أو أغلبُها لتعليم اللغة بطريقة ترفيهية، بما فيها لعبَ أوراق الطاولة مثل المونوبولي وغيره. ولم أعثر لحد الآن على لعبة من عشرات أنواع اللعب المتداولة تستعمل العربية، وأخشى يوم يشرع الناس عندنا في إنتاج لعبٍ من هذا النوع، أن يجعلوها بالدارجة عوض الفصحى. كنا في المدرسة أيضًا نتعلّم الأناشيد بلغة فصيحة سهلة ومُنتقاة، ونحفظ نصوص الخُطب والمسرحيات الصغيرة التي يكتبها كبار الكُتاب، ونتدرب على تمثيلها وإلقائها على خشبة المسرح المدرسي في حفلات نهاية السنة التي تنتهي بتوزيع الكتب المختارة بعناية على المتفوقين منا، ويدخل كل ذلك في عمليات استكمال التعليم والتثقيف بهذه الأنشطة الموازية، واستغلال كل وسائل الترفيه لتجويد المعرفة وتنويع طرق الاكتساب اللغوي والقدرة على التعبير الشفوي والكتابي. واليوم نرى كثيرًا من المدارس تتنافس في تعليم الصغار حشْدًا من الأغاني الشعبية بعامّيتها السخيفة وموضوعاتها التافهة، وما يرافقها من طَبْل وزَمْر ورَقْص وهزّ ودَزّ… ثم نأتي بعد كل هذا ونشتكي من تدنّي مستوى التعليم !! نحن حقا جزء من أمة ضلَّت طريقَها وفقدت بوصلتَها.

‏مقالات ذات صلة

Back to top button