‏آخر المستجداتلحظة تفكير

د محمد فخرالدين: في تعريف الجرائم ضد الإنسانية والكيل بمكيالين من طرف المنتظم الدولي

درسنا في القانون أن القانون الجنائي الدولي هو  الفرع الحديث من فروع القانون الدولي العام الذي يعالج الجريمة الدولية ويضع العقوبات المناسبة لها ، والمفروض أن تنصرف جهود المجتمع الدولي لتحول دون ارتكاب الجرائم والانتهاكات الخطيرة أو الحد من آثارها.

والقانون الدولي الإنساني فرع من فروع القانون الدولي العام تهدف قواعده العرفية والمكتوبة إلى حماية الاشخاص المتضررين في حالة نزاع مسلح ، كما تهدف إلى حماية الأموال  التي لها علاقة مباشرة بالعمليات العسكرية، وهذا القانون يستوحي الشعور الإنساني ويركز على حماية الفرد الإنساني في حالة الحرب.

 والقانون الجنائي الدولي يشمل جميع القواعد القانونية والمساطر الإجرائية التي لها علاقة بالجريمة الدولية… 

ـ تعريف الجريمة الدولية :

لا يُوجد تعريف محدد متفق عليه للجريمة الدولية ، و يمكن القول أنها «الفعل الذي يرتكب إخلالاً بقواعد القانون الدولي، ويكون ضاراً بالمصالح التي يحميها ذلك القانون مع الاعتراف لهذا الفعل بصفة الجريمة واستحقاق فاعله العقاب» ،«تلك الأفعال التي تتعارض مع أحكام القانون الدولي، وتترتب عليها المسؤولية الدولية، وهي لا تكون إلا للأفعال ذات الجسامة الخاصة التي تحدث اضطراباً وإخلالاً بالأمن العام للمجموعات الدولية».

وهناك عدد من الآراء الفقهية المختلفة المتعلقة بتعريف الجريمة الدولية:

 الرأي الأوّل يقول أن الجريمة الدولية هي أفعال خطرة للغاية يكون من شأنها إحداث الاضطراب في أمن الجماعة الدولية ونظامها العام.

أما الرأي الثاني فيعتبر الجريمة الدولية الأفعال والممارسات التي يترتب على وقوعها إلحاق الضرر بأكثر من دولة. ونجد رأيا ثالثا يقول أن الجريمة الدولية هي أي تصرفات مضادة للقواعد القانونية الدولية.

ويمكن تحديد مفهوم الجريمة الدولية بأنها كل سلوك يتعارض مع أحكام القانون الدولي يصدر عن شخص ما، ويمثل عدواناً على مصلحة دولية أساسية يحميها هذا القانون، ويرتب عليه مسؤولية دولية، ويجعل صاحبه مستحقاً للعقاب، أو هي واقعة إجرامية تخالف قواعد القانون الدولي، وتهدد السلم والأمن الدوليين مع توافر القصد الجنائي.

والجريمة الدولية تتسم بتنامي بالجسامة و الخطورة ، وتستحضر معيار الخطورة لأنها تمس المجتمع البشري كله وتهدد الأمن والسلم العالمي لما تتميز به من قسوة وفظاعة ووحشية، وقد تشمل آثارها عددا كبيرا من البشر أو شعوبا وأجيالا بأكملها ..

الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني:

تُعدّ متطلبات العدالة، ومكافحةّ الإفلات من العقوبة، من العناصر المركزية للقانون الإنساني، الذي يعرّف كلاًّ من الانتهاكات، والانتهاكات الجسيمة لأحكامه.

والعقوبات التي يمكن فرضها تختلف حسب طبيعة الفعل الذي يتمّ ارتكابه سواء كان انتهاكًا أو انتهاكًا جسيمًا. وهي تنص على أن “الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني تشكِّل جرائم حرب” (القاعدة 156).

ويقصد بالانتهاكات، التعديات على القانون الإنساني التي لم يتمّ تعريفها على أنها انتهاكات جسيمة (سوف يتمّ نقاشها لاحقًا).

حيث إن القانون الإنساني لم يقدّم تعريفًا مفصلًا وشاملًا لهذه الانتهاكات الأخرى، وعن العقوبة التي تتّخذ بحق مرتكبي مثل هذه الجرائم .

ويمكن لمرتكبي هذه الانتهاكات الاستفادة من مبدأ التقادم، على عكس جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية التي عرفتها محاكم نورمبرغ، وكذلك الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف، حيث لا يوجد وقت محدّد لمباشرة الإجراءات القضائية بذلك الخصوص.

عرّفت اتفاقيات جنيف، وبروتوكولها الإضافي الأول للعام 1977، والمتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية (البروتوكول 1) عددًا محدودًا من الجرائم باعتبارها انتهاكات جسيمة حيث لا يسري عليها قانون التقادم ،ويتغيّر تعريفها  اعتمادًا على إذا ما تمّ ارتكابها خلال النزاعات المسلحة الدولية أو الداخلية.

وقد قدّمت اتفاقيات جنيف تعريفًا أوليًا في سياق النزاعات المسلحة الدولية (اتفاقيّة جنيف 1 المادة 50، واتفاقيّة جنيف 2 المادة 51، واتفاقيّة جنيف 3 المادة 130، واتفاقيّة جنيف 4 المادة 147) والذي تمّ التوسع به بتفصيل أكثر في البروتوكول الأول (المادة 85).

أ. الانتهاكات الجسيمة خلال النزاعات المسلحة الدولية:

الانتهاكات الخطيرة، هي مخالفات محدّدة للقوانين المتعلقة بالنزاعات المسلحة، اتفاقيات جنيف 1949 والتي يجب على الدول، بموجب القانون، أن تحظرها وهي تشمل أيًا من الأفعال التالية، التي يتمّ ارتكابها ضدّ الأشخاص أو الممتلكات المحمية بموجب اتفاقيات جنيف الأربع:

القتل العمد، أو التعذيب، أو المعاملة اللاإنسانية، بما في ذلك الخاصة التجارب البيولوجية،تعمُّد إحداث آلام شديدة أو الإضرار الخطير بالسلامة البدنية أو بالصحة،النفي أو النقل غير المشروع، والحجز غير المشروع لأي شخص محمي، أو أخذ الرهائن بدون سند قانوني،

وإكراه الشخص المحمي بموجب الاتّفاقيات على الخدمة في القوات المسلحة بالدولة المعادية، تجريد أي شخص محمي بموجب القانون الدولي الإنساني، من حقه في ضمان محاكمة عادلة وعادية.

التسبّب بدمار كبير في الممتلكات، أو الاستيلاء عليها، بطريقة غير مشروعة وتعسفية، على نحو لا تبرره ضرورات حربية. وتمت اضافة الأفعال التي توصف بأنها انتهاكات خطيرة بموجب الاتّفاقيات أي الانتهاكات الخطيرة للبروتوكول الأول إذا تمّ ارتكابها ضدّ:

الأشخاص الذين وقعوا في قبضة الطرف المعادي، والذين هم محميون بموجب اتفاقيات جنيف والبروتوكول الأول جرحى ومرضى وغرقى الطرف المعادي؛أفراد الخدمات الطبية أو رجال الدين، الوحدات الطبية أو وسائل النقل الطبية التي تكون تحت سيطرة الجانب المعادي والمحمية بموجب البروتوكول الأول (البروتوكول 1 المادة 85-2).

إن الأفعال التالية، تُعدّ بمثابة انتهاكات جسيمة، عندما يتمّ ارتكابها بقصد التسبُّب بالموت، أو الإضرار الخطير بالجسم أو الصحة (البروتوكول 1 المادة 85 -3):

جعل السكان المدنيين أو الأفراد المدنيين هدفًا للهجوم، شنّ هجوم عشوائي، يصيب السكان المدنيين أو الأعيان المدنية عن معرفة يسبّب خسائر بالغة في الأرواح، شنّ هجوم على الأشغال الهندسية أو المنشآت التي تحوي قوى خطرة عن معرفة بأن مثل هذا الهجوم يسبّب خسائر بالغة في الأرواح، أو إصابات بالأشخاص المدنيين، اتّخاذ المواقع المجردة من وسائل الدفاع، أو المناطق المنزوعة السلاح هدفًا للهجوم ، الاستعمال الغادر للشارات المميزة للصليب الأحمر أو الهلال الأحمر أو الأسد والشمس الأحمرين…

وتعدّ الأعمال التالية أيضًا ذات علاقة بالانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني:قيام دولة الاحتلال بنقل بعض سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها أو ترحيل أو نقل كل أو بعض سكان الأراضي المحتلة ،ممارسة التفرقة العنصرية (الأبارتهيد) ،شنّ الهجمات على الآثار التاريخية وأماكن العبادة والأعمال الفنية التي تمثل التراث الثقافي أو الروحي للشعوب، وتوفرت لها حماية خاصة بمقتضى ترتيبات معينة، حرمان شخص تحميه الاتّفاقيات، من حقه في محاكمة عادلة طبقًا للأصول المرعية.

أنواع الجرائم الدولية :

ـ جريمة الإبادة الجماعية..

تتضمن  اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948 (المادة 2) تعريفا للإبادة الجماعية  بأنها ”أيا من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية …“، بما في ذلك:

قتل أعضاء من الجماعة؛

إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة؛

إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً؛

فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة؛

نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى.

وتؤكد الاتفاقية أن الإبادة الجماعية، سواء ارتكبت في زمن السلم أو الحرب، هي جريمة بمقتضى القانون الدولي، وتتعهد الأطراف ’’بمنعها والمعاقبة عليها‘‘ (المادة 1). وتقع المسؤولية الأساسية في منع الإبادة الجماعية ووقفها على عاتق الدولة التي تقع فيها هذه الجريمة.

ـ الجريمة ضد الإنسانية ..

إن تتبع تطور مفهوم الجرائم ضد الإنسانية قبل إنشاء المحكمة الجنائية الدولية يؤكد كونها أهم جرائم القانون الجنائي الدولي.

والتعريف الدقيق لهذه الجرائم لا زال فيه اختلاف، وهناك قائمة الجرائم ضد الإنسانية واردة في المادة السابعة قد تساعد في تعريف هذه الجرائم منذ ميثاق نورمبورغ، حيث شملت القتل العمد والإبادة والاسترقاق وابعاد السكان أو النقل القسري للسكان والسجن والتعذيب والاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي الأخرى والاضطهاد والاختفاء القسري والفصل العنصري والأعمال اللاإنسانية الأخرى.

ويعتبر نظام روما الأساسي نقطة نيرة في تطور مفهوم الجرائم ضد الإنسانية حيث يعتبر تعريف المادة السابعة التعريف الفصل الأول للجرائم ضد الإنسانية ..

ـ جريمة الحرب:

هناك تعريفات مختلفة لجرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية، يشير كل منها إلى نظام قانوني مختلف وعقوبات مختلفة على المستويين الوطني والدولي.

المادة 8 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية و الذي يعرف جرائم الحرب كالتالي تعني “جرائم الحرب” المرتكبة في نزاع مسلح دولي:

 الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف المؤرخة 12 آب/أغسطس 1949، وهي أي فعل من الأفعال التالية ضدّ الأشخاص أو الممتلكات الذين تحميهم أحكام اتفاقيّة جنيف ذات الصلة:

ـ القتل العمد : التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية، بما فى ذلك إجراء تجارب بيولوجية؛ تعمُّد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك وبالمخالفة للقانون وبطريقة عابثة؛

  فيما يتعلق بالنزاعات المسلحة  أي فعل من الأفعال التالية:

 توجيه هجمات ضدّ السكان المدنيين بصفتهم هذه أو ضدّ أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية ـ تعمُّد توجيه هجمات ضدّ مواقع مدنية، أي المواقع التي لا تشكل أهدافًا عسكرية؛ تعمُّد شنّ هجوم مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن خسائر تبعية في الأرواح أو عن إصابات بين المدنيين أو عن إلحاق أضرار مدنية أو عن إحداث ضرر واسع النطاق وطويل الأجل وشديد للبيئة الطبيعية ؛قصف المدن أو القرى أو المساكن أو المباني العزلاء التي لا تكون أهدافًا عسكرية، بأية وسيلة كانت؛

 ـ قيام دولة الاحتلال، على نحو مباشر أو غير مباشر، بنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأرض التي تحتلها، أو إبعاد أو نقل كل سكان الأرض المحتلة أو أجزاء منهم داخل هذه الأرض أو خارجها؛

ـ تعمُّد توجيه هجمات ضدّ المباني المخصصة للأغراض الدينية أو التعليمية أو الفنية أو العلمية أو الخيرية، والآثار التاريخية، والمستشفيات وأماكن تجمع المرضى والجرحى، شريطة ألا تكون أهدافًا عسكرية؛

 قتل أفراد منتمين إلى دولة معادية أو جيش معاد أو إصابتهم غدرًا؛ إعلان أنه لن يبقى أحد على قيد الحياة؛تدمير ممتلكات العدو أو الاستيلاء عليها ما لم يكن هذا التدمير أو الاستيلاء مما تحتّمه ضرورات الحرب؛ إعلان أن حقوق ودعاوى رعايا الطرف المعادي ملغاة أو معلقة أو لن تكون مقبولة في أية محكمة؛ إجبار رعايا الطرف المعادي على الاشتراك في عمليات حربية موجهة ضدّ بلدهم، حتى وإن كانوا قبل نشوب الحرب في خدمة الدولة المحاربة؛نهب أي بلدة أو مكان حتى وإن تمّ الاستيلاء عليه عنوة؛

ـ استخدام السموم أو الأسلحة المسممة؛ استخدام الغازات الخانقة أو السامة أو غيرها من الغازات وجميع ما في حكمها من السوائل أو الموادّ أو الأجهزة؛

ـ  استخدام أسلحة المحظورة دوليا ؛الاغتصاب أو الاستعباد الجنسي أو الإكراه على البغاء أو الحمل القسري على النحو المعرّف في الفقرة 2 (و) من المادة 7، أو التعقيم القسري، أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي يشكل أيضًا انتهاكًا خطيرًا لاتفاقيات جنيف؛ تعمُّد توجيه هجمات ضدّ المباني والموادّ والوحدات الطبية ووسائل النقل والأفراد من مستعملي الشعارات المميزة المبينة في اتفاقيات جنيف طبقًا للقانون الدولي؛تجويع المدنيين ،تعمُّد عرقلة الإمدادات الغوثية على النحو المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف؛

ـ جريمة العدوان ..

تعتبر جريمة العدوان من ضمن الجرائم التي تختص بها المحكمة الجنائية الدولية، وقد حدّدت المادة الخامسة الفقرة 1 متابعة أخطر الجرائم الدولية وهي جريمة الإبادة الجماعية، الجرائم ضدّ الإنسانية، جرائم الحرب وجريمة العدوان مستجيبة بذلك إلى حدّ ما لتطلعات المجتمع الدولي في وضع حد لفظائع هزّت ضمير الإنسانية جراء ما خلفته من أعداد لضحايا لا يمكن تصوّرها في صفوف المدنيين

ذلك هو الأمر الضروري لأيّ محكمة جنائية دولية يراد منها أن تكون ضمانة لتحقيق العدالة الدولية.

و قد مر تعريف العدوان بمراحل عديدة لينتهي بإصدار القرار الخاص بتعريف العدوان من الجمعية العامة الامم المتحدة عام 1974..فالعمل العدواني أخطر شكل من أشكال اللجوء غير المشروع للقوة.

وفي إطار النظام الدولي السائد منذ معاهدة ويستفاليا سنة 1648 وتأكيد سيادة الدولة، يبدو العدوان  أخطر جريمة يمكن ارتكابها، حيث يمكن أن يقوِّض وجود الدولة وسلامة أراضيها، وعلى هذا النحو يقوِّض المبادئ الأساسية للقانون الدولي.

 تقييد حق اللجوء للقوة المسلحة ليقتصر على حالات الدفاع عن النفس .

وفي سنة 1950 أرست مبادئ القانون الدولي المعترف بها في ميثاق محكمة نورنبرغ وفي قرار المحكمة بكون أعمال التخطيط والإعداد والشروع أو شن حرب أو عدوان كجريمة ضد السلم (المبدأ 6) وإشراك مرتكبي العدوان في المسؤولية الجنائية.

ويحظر ميثاق الأمم المتحدة الموقَّع في سنة 1945 العدوان واللجوء إلى القوة في العلاقات بين الدول فيما عدا حالة الدفاع عن النفس.

وينشئ ميثاق الأمم المتحدة نظامًا للأمن الجماعي بموجب المسؤولية الأساسية لمجلس الأمن. ولا يتضمن ميثاق الأمم المتحدة تعريفًا واضحًا للعدوان.

وتترتب ولاية مجلس الأمن حول الفكرة الأوسع نطاقًا الخاصة بتهديد السلم والأمن الدوليين، وهو مكلف باتخاذ التدابير المناسبة في مثل هذه الحالات، بما في ذلك اللجوء إلى القوة الجماعية.

 وقد استغرق البحث عن تعريف توافقي للعدوان فترة طويلة وكان أمرًا شاقًّا بين الدول لوضع تعريف يقتصر على التدخل العسكري لدولة على أرض دولة أخرى، وأولئك الذين كانوا يحبذون تعريفًا أوسع يعكس مختلف أشكال التدخل وانتهاك سيادة الدولة. وظل هذا إلى أن جاءت سنة 1974حين اعتمدت الأمم المتحدة تعريفًا لفعل العدوان.

وفي عام 1998، وخلال صياغة النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، أُعيد مفهوم العمل العدواني مرة أخرى إلى مجال القانون الجنائي الدولي.

وفي سنة 2010، وأثناء انعقاد المؤتمر الاستعراضي في كمبالا لنظام روما الأساسي، اعتمدت الدول الأطراف أخيرًا تعريفًا لجريمة العدوان.

ومن ثم أصبح العدوان الآن معرَّفًا ومحظورًا ليس من القانون الدولي العام فحسب بل أيضًا من القانون الجنائي الدولي بحيث يمكن للعمل العدواني أن يشمل مسؤولية الدولة عن السلوك غير المشروع أمام محكمة العدل الدولية وأن يفسح المجال لصدور أحكام وتعويضات. ويمكن لجريمة العدوان أيضًا أن تشمل المسؤولية الجنائية الفردية أمام المحكمة الجنائية الدولية.

1 الأمم المتحدة:

تصوغ المادة 2 (4) من ميثاق الأمم المتحدة، الموقع في سنة 1945 في سان فرانسيسكو، أنه ”يمتنع أعضاء الهيئة جميعًا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة“، وفقًا لمبدأ التسوية السلمية للمنازعات.

ومع ذلك، فإن اللجوء للقوة المسلحة يؤذن به في ظرفين:

في حالة الدفاع عن النفس، فردًا أو جماعات، وهذا تأذن به المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة؛

في سياق التدابير الجماعية للأمن التي اعتمدها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (المادة 42 من ميثاق الأمم المتحدة).

وتضمن القرار 3314 الصادر من الجمعية العامة والذي استند إلى تعريف المعتدي المقترح في سنة 1935 أثناء انعقاد مؤتمر تخفيض الأسلحة والحد منها، يعرف العدوان بأنه ”استعمال القوة المسلحة من قِبل دولة ضد سيادة دولة أخرى أوسلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي، أو أي وجه آخر لا يتفق مع ميثاق الأمم المتحدة“.

ووفقًا لقرار الجمعية العامة، تشكل الأعمال التالية أعمالًا للعدوان، سواء بإعلان الحرب أو بدونه شريطة أنها ليست جامعة:

قيام القوات المسلحة لدولة ما بغزو إقليم دولة أخرى أو الهجوم عليه، أو أي احتلال عسكري، ولو كان مؤقتًا، ينجم عن مثل هذا الغزو أو الهجوم، أو أي ضم لإقليم دولة أخرى أو لجزء منه باستعمال القوة؛

قيام القوات المسلحة لدولة ما بقذف إقليم دولة أخرى بالقنابل، أو استعمال دولة ما أية أسلحة ضد إقليم دولة أخرى؛ضرب حصار على موانئ دولة ما أو على سواحلها من قبل القوات المسلحة لدولة أخرى؛قيام القوات المسلحة لدولة ما بمهاجمة القوات المسلحة البرية أو البحرية أو الجوية أو الأسطولين التجاريين البحري والجوي لدولة أخرى؛قيام دولة ما باستعمال قواتها المسلحة الموجودة داخل إقليم دولة أخرى بموافقة الدولة المضيفة، على وجه يتعارض مع الشروط التي ينص عليها الاتفاق أو أي تمديد لوجودها الإقليمي المذكور، إلى ما بعد نهاية الاتفاق؛

ويستند هذا التعريف إلى ثلاثة معايير: ’1‘ يجب أن ترتكب العمل العدواني دولة ويمكن أن ترتب عليه مسؤولية تلك الدولة؛ ’2‘ ينطوي على استخدام القوة المسلحة؛ ’3‘ ويجب أن يصل العدوان إلى مستوى كافٍ من الخطورة لكي يصفه مجلس الأمن بهذا الشكل ويثير ردود أفعال في الدفاع عن النفس أو عقوبات يفرضها المجتمع الدولي.

2 محكمة العدل الدولية:

فسَّرت محكمة العدل الدولية  العدوان، قائلة:

 ”بينما يشمل مفهوم العدوان المسلح إرسال دولة واحدة عصابات مسلحة إلى أراضي دولة أخرى، وإمداد الأسلحة وأوجه دعم أخرى لتلك العصابات لا يمكن مساواته بالهجوم المسلح“ (الفقرة 247).

زيادة على ذلك، لاحظت المحكمة أن العدوان غير المباشر في إطار معنى المادة 3 (زاي) من القرار 3314 الصادر من الجمعية العامة، ينبغي، لكي يتصف بهذا الشكل، أن ينطوي على ”إرسال عصابات أو جماعات مسلحة أو قوات غير نظامية أو مرتزقة من قِبَل دولة ما أو باسمها تقوم ضد دولة أخرى بأعمال من أعمال القوة المسلحة تكون من الخطورة بحيث تعادل (ضمن أمور أخرى) هجومًا مسلحًا فعليًّا تقوم به قوات نظامية أو اشتراك الدولة بدور ملموس في ذلك.

3 المحكمة الجنائية الدولية:

اعتُمد نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في سنة 1998 ودخل حيز النفاذ في سنة 2002، لكنه لم يقدِّم تعريفًا لجريمة العدوان،  ونص نظام روما الأساسي في المادة 5 على (تمارس المحكمة الاختصاص على جريمة العدوان متى اعتُمد حكم بهذا الشأن وفقًا للمادتين 121 و123 يعرِّف العدوان ويضع الشروط التي بموجبها تمارس المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بهذه الجريمة.

وقد جاء تعريف جريمة العدوان، الذي اقترحه الفريق العامل الخاص المعني بجريمة العدوان، أساسًا بوحي من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3314 لسنة 1974.

ويرد التعريف في المادة 8 مكررًا الجديدة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وهو ينص على ما يلي:

لأغراض هذا النظام الأساسي، تعني ”جريمة العدوان“ قيام شخص ما، له وضع يمكِّنه فعلًا من التحكم في العمل السياسي أو العسكري للدولة أو من توجيه هذا العمل، بتخطيط أو إعداد أو بدء أو تنفيذ عمل عدواني يشكِّل، بحكم طابعه وخطورته ونطاقه، انتهاكًا واضحًا لميثاق الأمم المتحدة.

لأغراض الفقرة 1، يعني ”العمل العدواني“ استعمال القوة المسلحة من جانب دولة ما ضد سيادة دولة أخرى أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي، أو بأي طريقة أخرى تتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة. وتنطبق صفة العمل العدواني على أي عمل من الأعمال التالية، سواء بإعلان حرب أو بدونه، وذلك وفقًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 3314 (د-29) المؤرخ 14 كانون الأول/ديسمبر 1994:

وبإدراج هذه المادة الجديدة، يُصبح العمل العدواني جريمة تنطوي على المسؤولية الجنائية الفردية لأولئك الذين ارتكبوها وليس مجرد مسؤولية الدولة.

الكيل بمكيالين يفقد العدالة الدولية مصداقيتها ؟

لقد أدرك المجتمع الدولي ضرورة تطبيق مبدأ المساءلة الجنائية عن الانتهاكات الجسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني في إطار توفير الآلية القمعية في حال انتهاك تلك القواعد القانونية التي تكفل حماية قطاع كبير من الإنسانية ،فلم بقيتمكتوفة الأيدي أمام كل هذه الجرائم التي تعتبر جرائم عدوان و جرائم إبادة .

أين دور الفعال للقضاء الجنائي الدولي في إيجاد ضمانات لتنفيذ قواعد القانون الدولي الإنساني والوقوف ضد انتهاكات قواعده؟

فالعدالة الجنائية أسهمت بدور فعّال في محاكمة مجرمي الحرب .. ومنتهكي قواعد القانون الدولي الإنساني .. على الرغم مما أفرزته العوامل السياسية المتمثلة بالهيمنة التي تمارسها بعض الدول على هذه الآليات والتي جعلت الشرعية الدولية أدوات لتحقيق مصالحها ..

 إلا أن وجود القضاء الجنائي كحالة ردعية لتأكيد وتدعيم وتنفيذ القانون الدولي الإنساني يمثل حلقة مهمة في تنفيذ قواعد القانون الدولي الإنساني في ظل عدم وجود تفعيل لتنفيذ قواعد هذا القانون من الناحية الواقعية .. فنصوص اتفاقيات  جنيف لعام (1949) وبروتوكوليها الإضافيين، والتي تمثل  ذروة ما توصل إليه المجتمع الدولي من اهتمام بحقوق الإنسان وحمايته أثناء النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، بقيت مشوبة بنقص إمكانية تنفيذها بسبب افتقار هذه القواعد للوسائل الفعالة التي تلزم الدول على احترام معاهداتها.

 أمرٌ هل ستتداركه العدالة الجنائية بسد النقص بتفعيل هذه الحماية واقعاً بتوقيع الجزاءات القانونية على منتهكيها.

– وتفعيل دور المحكمة الجنائية الدولية بشكل أكثر فاعلية لكونها الهيئة القضائية الرئيسية الموكول إليها كفالة تفعيل تنفيذ القانون الدولي الإنساني

ـ و كذا تفعيل الإحالة سواء من طرف الدول الأطراف أو من طرف المدعي العام  أو من طرف مجلس الأمن على العدالة الجنائية الدولية  .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

ـ المواثيق والبروتوكولات الدولية ذات الصلة ..

ـ دراسات وأبحاث مختلفة

ـ كتاب القانون الدولي د يوسف البحيري

ـ العلاقات الدولية د ادريس الكريني

‏مقالات ذات صلة

Back to top button