لحظة تفكير

ذ ادريس المغلشي : زنوبيا


زنوبيا إمرأة ليست كباقي النساء ، قادمة من الماضي السحيق. تحمل معها أسرارا وأزهارا لتوقظ بدواخلنا الإحساس بأنوثتها ودورها الحيوي الذي أنعش فقرات مهمة من سيرتنا في هذه الدنيا، أمام شخصيتها الفذة جعلتني أقف مشدوها.

هل أناديها باسمها اللاتيني كما هو في العنوان أم بلسان عربي زينب ؟
وجدت نفسي بتلقائية شديدة ودون تردد أنحاز كلية لاسمها الأول لجماله وسحره وإثارثه. كيف لا وهو يحمل من عبق التاريخ الشيء الكثير بل لوحده يكفي ان تكتبه لتدفع القارئ لإشباع فضوله من أجل البحث والتنقيب عن مدلوله وسيرة هذه الشخصية الغامضة ذات ألغاز كثيرة .

امرأة تتمتع بقدر كبير من الذكاء والدهاء. حازت حظها من الجمال. بقد ممشوق فارع الطول وشعر ذهبي مرسول يغطي كتفيها بعناية فائقة. ابتسامتها تأسر الناظرين وعيناها ترسل وميضا ساحرا لا يقاوم. تعتني بهندامها بما يوافق آخر صيحات الموضة فتزاوج بين الحديث منه والكلاسيكي بأناقة مقبولة. تمشي الهوينى بين أروقة الإدارة بكعب عالي تتناوب دقاته بالتوالي كأنها خفقان قلب مولع متيم شديد الإحساس مرهف.

أما عطرها فلقوة أريجه يبقى عالقا بأروقة خالية فيخبرك للتو انها مرت من هنا تاركة أثرا أسكر جناحا بأكمله . تمارس بعشق طفولي مهمتها الجديدة وقد أحاطت فضاءها بكل ما يعزز من جمالية الديكور ، باقة ورد زاهية تتوسط القاعة وبساط مزركش مفروش قد غطى كل جنباتها ليساعد الضيوف على النقاش وأرجلهم دافئة توازي حميمية ودفء اللقاء .

صور ومقتطفات تؤرخ لمسار طويل قد بثت هنا وهناك في مناطق متعددة من المكان . ستارات من القماش الراقي بلون خافت يكسر أشعة الشمس المتسللة حتى لا تزعج الزوار . كراسي بكنبات حريرية تجعلك مرتاحا في جلستك. سحر المكان وجمال الإنسان تزاوج ليمنحك صورةسوريالية لامثيل لها .

كل هذه الجماليات التي اجتمعت في هذا المكان والتي لايمكن ان تجد مثيلا لها. اعتبرها مجهودا فريدا وخرافيا وسط هذا السكون والروتين القاتلين يعكسان بالضرورة ثقافة وجمالية تتعلق بشخصية زنوبيا الفريدة، والتي تحاول أن تمنحك إشارات كفيلة بتغيير رأيك حول الفضاء لتقضي فيه زمنا قد ينسيك دقات الساعة لمدة طويلة ، دون أن تتحسس عقاربها أو تتضايق منزعجا من رتابة قد تجثم على قلبك.
هيهات، فالفرق شاسع في زمن الترقيع و”اقض بلي كاين” لاعلاقة لزمن تقتله الرتابة بهذه المواصفات وكل ماتقدم يحق لنا أن نتساءل من أغضبت زنوبيا؟
وهل مع مثلها نجرؤ على طرح هذا السؤال أصلا ؟
يحكى والعهدة على الراوي :
أن خبرا ذاع وانتشر في أروقة المكان على شكل وشوشات، وهمس سرى في دواخل البعض كما تسري النار في الهشيم . أصبح الناس يتساءلون ما السر في هذه الجلبة وهذا الحضور، بعدما أقعد بعض النسوة العوز وضيق ذات اليد وأصبحن لايملكن من هذه الدينامية سوى ذهول وتساؤل لايقدرن على البوح ، فتهامسن على شكل سؤال تداولته الألسن على أوسع نطاق يشبه لحد بعيد ماطرحته النسوة بشأن نبي الله يوسف عليه السلام، حين شرعن يتبادلن سرا كالذي جاء في محكم القران الكريم (امراة العزيز تراود فتاها قد شغفها حبا ) ، فوقع للنسوة هنا بالبناية الكبيرة ما وقع لنسوة العزيز هناك حين شرعن يقطعن أيديهن ليس انبهارا بجمال نبي الله يوسف فحسب، فلربما أيضا حسدا وكمدا من مكان وموقع سلطة لم يبلغنها مثلما وصلت إليها امراة العزيز وهي تراود فتاها . لقد استطاعت برجاحة عقلها ودهائها أن تقدم الدليل على براءتها أمام أعين الجميع وبشكل عملي، وأن ماقامت به هي في خلوة وحيدة عضدته النسوة علانية. وبقية القصة معروفة بين قرار السجن للهروب من جبروت سلطة .
معادلة عصية على الفهم، يصعب فك مكوناتها بين الغواية والشكوى وقوة السلطة ونتيجة الاختبار . فلا عتاب ولامحاكمة أمام مثل هذه الوضعيات لتقف كل الأحكام عاجزة أمامها مهما ارتفع صوت الآخرين، لأنهم بكل بساطة لا يملكون سوى الكلام ولا يجيدون سوى التعليق فقط .

‏مقالات ذات صلة

Back to top button