لحظة تفكير

ذ نور الدين الزويتني: الصفر .. أوجه أخرى

لم أكن أعرف أن الصفر بهذا الغنى الدلالي حتى رجعت إلى معجم لسان العرب فوجدت فيه من الشؤم ما يبرر إحباط المرزوء به، وثبْط عزيمته، وانقطاع امله، وهذا غيض من فيض ما قاله ابن منظور في الكلمة:

“وَالصِّفْرُ وَالصَّفْرُ وَالصُّفْرُ: الشَّيْءُ الْخَالِي، وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ وَالْوَاحِدُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ سَوَاءٌ، قَاْلَ حَاتِمٌ:

تَرَى أَنَّ مَا أَنْفَقْتُ لَمْ يَكُ ضَرَّنِي وَأَنَّ يَدِي مِمَّا بَخِلْتُ بِهِ صِفْرُ

وَالْجَمْعُ مِنْ ڪُلِّ ذَلِكَ أَصْفَارٌ، قَالَ:

لَيْسَتْ بِأَصْفَارٍ لِمَنْ يَعْفُو وَلَا رُحٍّ رَحَارِحْ

وَقَالُوا: إِنَاءٌ أَصْفَارٌ لَا شَيْءَ فِيهِ، ڪَمَا قَالُوا: بُرْمَةٌ أَعْشَارٌ. وَآنِيَةٌ صُفْرٌ: ڪَقَوْلِكَ نِسْوَةٌ عَدْلٌ. وَقَدْ صَفِرَ الْإِنَاءُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْوَطْبِ مِنَ اللَّبَنِ بِالْكَسْرِ يَصْفَرُ صَفَرًا وَصُفُورًا أَيْ خَلًّا، فَهُوَ صَفِرٌ. وَفِي التَّهْذِيبِ: صَفُرَ يَصْفُرُ صُفُورَةً. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ قَرَعِ الْفِنَاءِ وَصَفَرِ الْإِنَاءِ؛ يَعْنُونَ بِهِ هَلَاكَ الْمَوَاشِي؛ ابْنُ السِّكِّيتِ: صَفِرَ الرَّجُلُ يَصْفَرُّ صَفِيرًا وَصَفِرَ الْإِنَاءُ. وَيُقَالُ: بَيْتٌ صَفِرٌ مِنَ الْمَتَاعِ وَرَجُلٌ صِفْرُ الْيَدَيْنِ. وَفِي الْحَدِيثِ: إِنَّ أَصْفَرَ الْبُيُوتِ مِنَ الْخَيْرِ الْبَيْتُ الصَّفِرُ مِنْ ڪِتَابِ اللَّهِ. وَأَصْفَرَ الرَّجُلُ فَهُوَ مُصْفِرٌ أَيِ افْتَقَرَ. وَالصَّفَرُ: مَصْدَرٌ، قَوْلُكَ صَفِرَ الشَّيْءُ بِالْكَسْرِ أَيْ خَلَا. وَالصِّفْرُ فِي حِسَابِ الْهِنْدِ: هُوَ الدَّائِرَةُ فِي الْبَيْتِ يُفْنِي حِسَابُهُ. وَفِي الْحَدِيثِ: نَهَى فِي الْأَضَاحِيِّ عَنِ الْمَصْفُورَةِ وَالْمُصْفَرَّةِ، قِيلَ: الْمَصْفُورَةُ الْمُسْتَأْصَلَةُ الْأُذُنِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ صِمَاخَيْهَا صَفِرَا مِنَ الْأُذُنِ أَيْ خَلَوَا، وَإِنْ رُوِيَتِ الْمُصَفَّرَةُ بِالتَّشْدِيدِ فَلِلتَّكْسِيرِ، وَقِيلَ: هِيَ الْمَهْزُولَةُ لِخُلُوِّهَا مِنَ السِّمَنِ، وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ فِي الْمَصْفُورَةِ: هِيَ الْمَهْزُولَةُ، وَقِيلَ لَهَا مُصَفَّرَةٌ؛ لِأَنَّهَا ڪَأَنَّهَا خَلَتْ مِنَ الشَّحْمِ وَاللَّحْمِ مِنْ قَوْلِكَ: هُوَ صُفْرٌ مِنَ الْخَيْرِ أَيْ خَالٍ. وَهُوَ ڪَالْحَدِيثِ الْآخَرِ: إِنَّهُ نَهَى عَنِ الْعَجْفَاءِ الَّتِي لَا تُنْقِي، قَالَ: وَرَوَاهُ شَمِرٌ بَالْغَيْنِ مُعْجَمَةً، وَفَسَّرَهُ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، قَاْلَ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَلَا أَعْرِفُهُ، قَاْلَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هُوَ مِنَ الصَّغَارِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِمْ لِلذَّلِيلِ مُجَدَّعٌ وَمُصَلَّمٌ؟ وَفِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ: صِفْرُ رِدَائِهَا وَمِلْءُ ڪِسَائِهَا وَغَيْظُ جَارَتِهَا. الْمَعْنَى؛ أَنَّهَا ضَامِرَةُ الْبَطْنِ، فَكَأَنَّ رِدَاءَهَا صِفْرٌ أَيْ خَالٍ لِشِدَّةِ ضُمُورِ بَطْنِهَا، وَالرِّدَاءُ يَنْتَهِي إِلَى الْبَطْنِ فَيَقَعُ عَلَيْهِ. وَأَصْفَرَ الْبَيْتَ: أَخْلَاهُ. تَقُولُ الْعَرَبُ: مَا أَصْغَيْتُ لَكَ إِنَاءً وَلَا أَصْفَرْتُ لَكَ فِنَاءً، وَهَذَا فِي الْمَعْذِرَةِ، يَقُولُ: لَمْ آخُذْ إِبِلَكَ وَمَالَكَ فَيَبْقَى إِنَاؤُكَ مَكْبُوبًا لَا تَجِدُ لَهُ لَبَنًا تَحْلُبُهُ فِيهِ وَيَبْقَى فِنَاؤُكَ خَالِيًا مَسْلُوبًا لَا تَجِدُ بَعِيرًا يَبْرُكُ فِيهِ، وَلَا شَاةً تَرْبِضُ هُنَاكَ. وَالصَّفَارِيتُ: الْفُقَرَاءُ الْوَاحِدُ صِفْرِيتٌ؛ قَاْلَ ذُو الرُّمَّةِ:

وَلَا خُورٌ صَفَارِيتُ

وَالْيَاءُ زَائِدَةٌ؛ قَاْلَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ إِنْشَادِهِ، وَلَا خُورٍ، وَالْبَيْتُ بِكَمَالِهِ:

بِفِتْيَةٍ ڪَسُيُوفِ الْهِنْدِ لَا وَرَعٍ مِنَ الشَّبَابِ وَلَا خُورٍ صَفَارِيتِ

وَالْقَصِيدَةُ ڪُلُّهَا مَخْفُوضَةٌ وَأَوَّلُهَا:

يَا دَارَ مَيَّةَ بِالْخَلْصَاءِ حُيِّيتِ

وَصَفِرَتْ وِطَابُهُ: مَاتَ؛ قَاْلَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

وَأَفْلَتَهُنَّ عِلْبَاءٌ جَرِيضًا وَلَوْ أَدْرَكْنَهُ صَفِرَ الْوِطَابُ

وَهُوَ مَثَلٌ؛ مَعْنَاهُ أَنَّ جِسْمَهُ خَلَا مِنْ رُوحِهِ أَيْ لَوْ أَدْرَكَتْهُ الْخَيْلُ لَقَتَلَتْهُ فَفَزِعَتْ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْخَيْلَ لَوْ أَدْرَكَتْهُ قُتِلَ فَصَفِرَتْ وَطَابُهُ الَّتِي ڪَانَ يَقْرِي مِنْهَا وِطَابُ لَبَنِهِ، وَهِيَ جِسْمُهُ مِنْ دَمِهِ إِذَا سُفِكَ. وَالصَّفْرَاءُ: الْجَرَادَةُ إِذَا خَلَتْ مِنَ الْبَيْضِ، قَالَ:

فَمَا صَفْرَاءُ تُكْنَى أُمَّ عَوْفٍ ڪَأَنَّ رُجَيْلَتَيْهَا مِنْجَلَانِ

‏مقالات ذات صلة

Back to top button