‏آخر المستجداتلحظة تفكير

ذ عبد الله العلوي*: أحــداث الهــنــد الــداميـة ومسلسل العداء للمسلمين (الجزء3 والأخير)

     إمبراطورية المغول الاسلامية

  وبنهاية سلطنة دلهي الاسلامية الأولى في 1526 توالى على الحكم بابر وهمايون، وجلال الدين أكبر، وجاهان كير، وشاه جاهان، ومحيي الدين محمد. خلال الفترة من 1526 إلى 1707 عادت الدولة الاسلامية إلى أيام مجدها رغم الصعاب، التي واجهتها، سواء من خلال الحروب، ضد الدول الإسلامية / الهندوسية التي استقلت عن دلهي، خلال المرحلة الأولى أو الخلافات داخل الأسر الحاكمة، ومما يلاحظ أن أباطرة الدولة المغولية لم يتعرضوا للاغتيال، أو الإعـــدام مــن طــــرف أقربائهم، أو النخبة الحاكمة، باستثناء حالة ” شاه جاهان “ وهي حالة ذات طبيعة تاريخية استثنائية، فقد حبس في أواخر أيام حياته إلى أن توفي. والملاحظة الأخرى أن السلالة الحاكمة، من بابر إلى محيي الدين وبعد 1707 تاريخ وفاة محيي الدين بقيت هي سلالة بابر حتى 1857 عندما نفي آخر أباطرة الهند الاسلامية ظفر شاه من طرف الإنجليز، إلى بورما حيث مات ودفن.

         لقد واجهت إمبراطورية الهند الإسلامية الثانية، بزعامة المغول معركتين حاسمتين:

المعركة الأولى: عقائدية : ضد محمد جلال الدين أكبر الذي ابتدع ديانة جديدة وفرضها على الناس من مختلف العقائد وكانت ضد المسلمين أكثر مما هي ضد غيرهم.

المعركة الثانية عسكرية وتتمثل في : الاستعمار الانجليزي من خلال شركة الهند الشرقية التي تأسست في 1600 وكانت اليد الاقتصادية التي تحولت إلى مدافع وبنادق لاحتلال الهند، وهي عبارة عن تنظيم استعماري يجند المرتزقة، ووسيلة لاستنزاف البلد.

الاسـتـعــمــار الإنــجـلـيـــزي

               لم يكن استعمار الهند يسيرا على انجلترا، فقد بدأ تواجد الإنجليز في موانئ البنغال، على الأخص حوالي نهاية القرن الخامس عشر، وتواجد البرتغاليون في بعض الجزر، خاصة ” غوا “ التي لم يطردوا منها إلا بعد استقلال الهند عن انجلترا. وكان تواجد الاستعمار الإنجليزي على أساس اقتصادي في البداية عن طريق شركة الهند الاقتصادية، التي تأسست في 1600 قبل وفاة جلال الدين أكبر بخمس سنوات، حيث كان رجال التبشير المسيحي، أو جهاز الاستخبارات الاستشراقية، هم طلائع شركة الهند الشرقية. ورغم أن المسيحية دخلت إلى الهند عن طريق أحد الحواريين، القديس توما في 54 م، إلا أنها لم تعرف أي انتشار، إلا بعد تواجدهم في البنغال، وانتصار الإنجليز في المعركة الأخيرة على الهنود في 1857، حين استطاعت الكنائس التي تأسست في أنحاء الهند استقطاب بعض الهنود، الذين بلغوا حاليا حوالي 20 مليون نسمة. وباستثناء المسلمين الذين رفضوا بشكل قاطع الاستعمار الإنجليزي، وأدى بهم ذلك إلى الإنزواء السياسي، والثقافي في البداية، فإن طوائف الهنــدوس خــاصة السيخ، انضموا إلى الاستعمار البريطاني، لغة، ومؤسسات، و انخرطوا في سياسة المستعمر، الشيء الذي أدى بالانجليز المعادين للمسلمين خصوصا، إلى العمل على تدهور حالتهم الاجتماعية، و الاقتصادية، وإلى تدمير مؤسساتهم الثقافية، بل شجع الانجليز ظهور عقائد غربية، وسط المسلمين، مثل القاديانية التي أعلنت الولاء للإنــجــليز، و رفضت الجهاد ضدهم و كان تأسيس هذه النحلة عام .

حزب المؤتمر و الجماعة الإسلامية

              في 1885 تأسس حزب المؤتمر الهندي، الذي ضم المسلمين والهندوس، لكن الزعامة و التأسيس كانا بيد الهندوس، و أعلن حزب المؤتمر في البداية المطالبة ببعض الحقوق الاجتماعية، و الاقتصادية للهنود في وطنهم، و فيما بعد طالبوا بحكم ذاتي في مناطق معينة، في محاولة للتحرر الاقتصادي. استغل الانجليز الاقتصاد الهندي، أيما استغلال و منذ فشل ثورة 1857 و هم يستنزفون الهنود، بدعوى التعويض عن كل إنجليزي قتل، وعن مصاريف نقل الجنود،            وإطعامهم، ودفع رواتبهم، ويعد ذلك بحساب ذلك الزمان مبالغ خيالية. و كان الإنجليز يلقبون الهند بتاج المستعمرات ولم يكتفي الاستعمار الإنجليزي، باستنزاف الاقتصاد والشعب الهنديين، بل تم الاستيلاء على الجواهر، واليواقيت، والزمرد وبعضها لازالت تزين التاج البريطاني. ونظرا لعدم اهتمام الهنود بتراثهم، فإن الزائر لمتاحف إنجلترا، سيلاحظ بكثير من الذهول مدى السرقات الأثرية، التي تمت في الهند و غيرها، من طرف الإنجليز، والتي ملأت المتاحف البريطانية حتى أن كثيرا من الصناديق لم تفتح بعد.

           و خلال مرحلة الاستعمار، فإن مئات الآلاف من الإنجليز هاجروا من إنجلترا إلى الهند، و استوطنوها و أصبح الهنود في وطنهم في الدرجة الثانية والثالثة بل كان لايجوز لهم الاقتراب من أحياء الأوربيين، و الأدهى أن الإنجليز لم يشجعوا أي تغيير في عقيدة الهندوس، خاصة تحسين وضعية المنبوذين، وتركوا الأمور على حالها حتى لا يخوضوا في عقيدة الهندوس، فيزيدوا المشكل تعقيدا واستفحالا. لكن الهنود الذين درسوا في أوربا والذين كانوا في 1935 حوالي ألف طالب في بريطانيا و الذين عاينوا أن الناس سواسية، رجعوا إلى الهند، وعلى رأسهم تشاند كارام غاندي 1869 ــ 1948 ليقودوا معركة الاستقلال، ثم إن المسلمين ــ كطائفة ــ عاشوا الصراع فيما بينهم، خاصة بين المدارس التقليدية التي رفضت أي تعامل مع الإنجليز، و بين عناصر المسلمين الأخرى، الذين أدى غيابهم وانعزالهم عن الساحة السياسية، والاجتماعية، إلى تهميش وتفقير المسلمين الهنود من الفئات الاجتمــاعية الشعبية، مقارنة بالهندوس وطوائفه، وكان السردار أحمد خان 1817 ــ 1898 المبادر الأول لتأسيس جامعة إسلامية ــ جامعة عليكرة ــ على أسس جديدة، لأن التطــــــورات داخل الهند بعد 1885 ( تاريخ تأسيس الحزب الوطني الهندي ) أدت إلى نهضة داخل الهندوس.

    انخرط المسلمون في الحزب الوطني الهندي حزب المؤتمر، إلا أن انخراطهم لم يكن كثيفا، فالكثير منهم تشككوا من الغالبية الهندوسية في الحزب، ومن توليهم قيادته، وخلال العشرين سنة الموالية لتأسيس حزب المؤتمر، اختلف المسلمون فيما بينهم، حول فكرتين أساسيتين، فالبعض دعا إلى إنشاء تحالف مع الدولة العثمانية، التي كانت ولا زالت قوية، ويمتد نفوذها من آسيا إلى أوربا،. إلا أن هذا الطرح لم يكن عمليا، ومع انحسار نفوذ الدولة العثمانية ، لم تعد تلك الفكرة تطرح، وخلال سنة 1906 أسس المسلمون الجماعة الإسلامية التي كان هدفها الأول وضع تصور لوضعية المسلمين في شبه القارة الهندية، في مواجهة الطرح الهندوسي المتمثل في حزب المؤتمر، وفي مواجهة الاستعمار الإنجليزي الذي كان يهدف إلى البقاء أطول مدة، وذلك عن طريق فرق تسد، بين الطوائف الهندية ككل، وعلى الأخص المسلمـيــن والـهـنـــــدوس، وعــنــدما بدأت معركة استقلال الهند التي قادها ” غاندي “ بطريقته الخاصة، التي وجدت قبولا عاما من الهنود، وهي معركة النضال السلمي، والامتناع عن استعمال المنتجات البريطانية. ورغم أن المسلمين أسسوا الجماعة الإسلامية في 1906 التي كانت الحزب الأهم والمنافس لحزب المؤتمر، إلا أن بعضهم لم ينخرطوا فيها، وبقوا أعضاء في حزب المؤتمر، وعلى رأسهم مولانا أبو الكلام 1890 ــ 1958 أول وزير للتعليم في الحكومة الهندية الأولى، برئاسة جواهر لال نهرو 1947 ــ 1964 ، وكان أبو الكلام أحد الفقهاء الكبار في الهند وله كتب هامة في الفقه والقانون، وتوفي ولما يزل وزيرا للتعليم في 1958 ( وهو من مواليد مكة المكرمة حيث كانت عائلته منفية ).

     لقد أعلن حزب المؤتمر عن طريق أدبياته، وخطابات زعمائه الكبار مثل غاندي ونهرو، أن الهند دولة مختلفة الثقافات والعقائد، وأن الحل في التعايش في دولة علمانية. لكن المسلمين رفضوا في أغلبيتهم هذا الطرح، باعتبار أن العلمانية فضلا عن كونها بالنسبة للهند ستترجم بسيطرة الهندوس، نظرا لغالبيتهم العددية  ــ حوالي الثلثين ــ ولأن الانتخابات ستؤدي إلى نفس النتيجة، فإن العلمانية ماهي إلا إعلان كفر صريح. وكان شودرت علي المتــوفى حـــوالي 1937 الـمـبـــادر الأول إلى المطالبة بتأسيس وطن مستقل للمسلمين الهنود، وعندما بدأت الحرب العالمية الثانية 1939 ــ 1944، لم يعد النضال ضد الاستعمار الإنجليزي، بنفس القوة، علما أن غاندي أعلن المساندة للإنجليز في حربهم ضد دول المحور، لكن المرحلة كانت أشبه باستراحة المحارب. فما إن أعلنت مدافع الحرب العالمية الثانية نهايتها حتى اندلعت معركة التحرير بقوة وبالخلاف بين الطائفتين الهندوسية والإسلامية، وكان المسلمون في 1941 في مؤتمر ” لاهور “ بقيادة محمد عي جناح، قاد أعلنوا اختيارهم دولة مستقلة عن الهند، الشئ الذي رفضه حزب المؤتمر، لكن الاستعمار الإنجليزي لم يعارض أو يؤيد أيا منهم، إلا أن الخلافات بين الطائفتين اشتدت، وأدت إلى مذابح بين الطرفين، وعندما أعلن الاتفاق على تأسيس دولتين شبه القارة الهندية، وموافقة لندن على استقلال الهند في 17 يوليو 1947، توج رسميا في 14 غشت 1947 باستقلال وإنشاء باكستان، وفي 15 غشت 1947 باستقلال الهند. وواكبت عملية الاستقلال مذابح وحروب بين الطائفتين، ذلك أن الاتفاق كان على أساس جغرافي / ديموغرافي فأماكن أغلبية المسلمين تنضم إلى الدولة الجديدة: باكستان، وأماكن أغلبية الهندوس تنضم إلى الدولة القديمة: الهند، وعانى المسلمون الذين تواجدوا في أماكن الهندوس مذابح رهيبة، وتشردت عائلات بأكملها، ولكون الهندوس شكلوا الأغلبية، فإن معاناة المسلمين كانت أشد والشهداء بينهم أكثر، وتشرد ملايين الأطفال، والنساء، حتى أن المسلمين الذين ظلوا ضمن الاتحاد الهندي ــ بعد الانفصال ــ أنشئوا عدة مؤسسات للبحث عن المشردين، وإيوائهم وضمهم إلى عوائلهم إن وجدوا.

*باحث مغربي

‏مقالات ذات صلة

Back to top button