‏آخر المستجداتلحظة تفكير

عبد الله العلوي: تقاعد الأرملة

نصت القوانين المتعلقة بالتقاعد، سواء فيما يتعلق بالصندوق المغربي للتقاعد أو الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي على حق الأرملة في تسلم نصف تقاعد زوجها الراحل، وقد تتسلمه جزئيا أو كاملا إذا كان لها أطفال قصر وبعد بلوغهم سن الرشد أو انتهاء مدة الدراسة تعود لنصف المبلغ.

ويجب على الأرملة أن تدلي كل سنة وأحيانا كل سنتين بما يثبت أنها غير متزوجة، وفي حال تزوجت من جديد تحرم من مبلغ المعاش أو التقاعد، لأن نفقتها حسب روح النص انتقلت إلى زوجها الجديد. وهذا الحرمان أبدي، فلو افترضنا مثلا أنها طلقت أو توفي زوجها الجديد، فلا تعود لحالتها الأولى ولن تتسلم نهائيا مبلغ التقاعد أو المعاش، فزواجها الجديد يعني حرمان أبدي للمعاش أو التقاعد. وتلجأ الكثير من الأرامل إلى أساليب عديدة لتحصين أنفسهن عبر زواج الفاتحة أو زواج عرفي في ورقة عادية موقعة من الطرفين، وقد تنتقل إلى منطقة أخرى وتستصدر وثائق من أجل الزواج خفية، وهو أمر في مخاطر المتابعة الجنحية بالإدلاء ببيانات كاذبة أو التزوير مع إرجاع المبالغ، أما الأغلب من الأرامل فلا يلجئن إلى الزواج الجديد أصلا مخافة قطع التقاعد أو المعاش مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، ومما يثير الاستغراب أن كل النقاشات التي دارت بين النقابات والحكومات لم يطرح نهائيا ملف الأرامل، والحيف القانوني والشرعي الذي يعانين منه من جراء نصوص تحرمهن من حياة طبيعية وعادية وشرعية تحت التهديد.

راتب الأرملة في القانون العام

تنص الفصول 31 و32 و33 من قانون 30-12-1971 الذي أدخلت عليه تعديلات عديدة عبر السنين، وهو المتعلق بالتقاعد العام ويشترط لاكتساب المرأة الحق في راتب الأرملة:

  • أن يكون الزواج دام سنتين.
  • أن لا تكون الأرملة قد طلقت طلاقا بائنا أو تزوجت من جديد أو جردت من حقوقها.

وهناك شرط آخر بين ثنايا الفقرة الأولى يهم الموظف أو العون الذي أحيل على التقاعد لأسباب صحية، هو الآخر يجب أن يكون الزواج قد مر عليه 2 عامين قبل الحادث أو الظروف الصحية التي أحيل بموجبها على تقاعد الزمانة، فلو تزوج بعد الحادثة أو الظرف الصحي الذي أحيل بموجبه على التقاعد، فأرملته لا حق لها في المعاش  لو توفي قبل سنتي الزواج حسب مفهوم النص.

ومن هذا نستخلص أن الشروط هي 3 وليس 2 كما أشار الفصل 32. ويشير الفصل 33 أن الأرملة أو أرامل الموظف لهن الحق في راتب يعادل 50%، فلو افترضنا أن الموظف أو العون كان يتقاضى معاش –أو سيتقاضى– 1500 درهم، فأرملته تأخذ 750 درهم شهريا، وفي حال التعدد تأخذ كل واحدة 375 درهم.

وإذا تزوجت الأرملة أو جردت من حقوقها، فإن الراتب يلغى، يلاحظ في هذا النصوص أولا عدم التجويد، وأن نصوصه تحمل نفس سوء النية، كون الأرملة لها سوء نية في تسلم هذا المعاش هي زوجها الراحل، وأن المشرع حاول من خلال هذه النصوص أو الفصول إلغاء حق أكثر عدد ممكن من الأرامل –بسبب سوء النية المفترض– من نيل المعاش فشرط سنتين لا معنى له. فضلا عن ذوي الزمانة أو الذين أصيبوا في حادث وشرط العامين الإجباري قبل الحادث، أو الإحالة على الزمانة بالنسبة للموظف أو العون الذي لم يكمل مدة التقاعد العمري بسبب المرض أو الحادث، فلا أحد طرح هذا المشكل –فيما أظن- رغم كونه من الأسس العادية لإصلاح أنظمة التقاعد على المستوى الاجتماعي والأخلاقي والمادي.

ليس بين أيدينا إحصاءات دقيقة لعدد الأرامل اللائي يتقاضين مبلغ معاش بعد وفاة الزوج، وهناك رقم غامض يقرب من 80 ألف سيدة ، البعض يتقاضى 30 درهم، والأكثرية الأخرى يتقاضين مبلغ قد لا يتعدى 500 درهم أو أقل أو أكثر حسب المبلغ التقاعدي الذي كان يتقاضاه أو كان سيتقاضاها الزوج الراحل، مع احتساب بعض الخصومات ذات الأبعاد التقنية التي لا مجال لها هنا.

يطرح السؤال: هل من حق الإدارة المكلفة بالأداء أن تقتطع أصلا مبلغ 50 %؟ لأن التقاعد أصلا وليدا وناتج عن مبلغ معين يؤديه الزوج للصندوق قصد تسلم مبلغ معين ومحدد عند بلوغه سن المعاش، أي أن الحصيلة المالية تعود للزوج الذي كان يودع هذه المبالغ في الصندوق حتى يتقاضى ذوي الحقوق مبلغ متفق عليه 80 % من الأجر بالنسبة للقطاع العمومي، و 70% من الأجر في القطاع الخاص، فمثلا لو قضى في العمل 40 عاما، يضرب الأجر الأساسي مرتين فيأخذ 80% من الأجر هذا في القطاع العام، ولو كان الزوج في القطاع الخاص فيتقاضى معاشا 70 % من الأجر . فما هو الأساس الشرعي والعادل –أصلا– لاقتطاع نصف التقاعد للأرملة سواء كان لها أولاد قصر أم لا؟ فالنص القانوني أصلا لا أساس شرعي له سوى سلطة المشرع ، تم لو افترضنا أن المتقاعد بقي على قيد الحياة لمدة طويلة فهو يأخذ معاشه كاملا، فوفاته فقط تؤدي إلى قطع 50%، رغم أن المبلغ المودع في الصناديق يعود له وينتقل إلى زوجته إذا –لا قدر الله– توفي ، فالأساس الشرعي أصلا لقطع 50% غير مستند إلى أساس سليم، فهو مجرد قرار سلطوي تتخذه الإدارة للتخفيف عليها من الأداءات، وهو أمر لا علاقة له بالعدالة الاجتماعية.

تقاعد الأرملة في القطاع الخاص:

ينص القانون رقم 1.72.184 في 15 جمادى 1392 الموافق لـ 27-07-1972، والمعدل بعدة قوانين منها القانون رقم 1.04.127 بتاريخ: 21 رمضان 1425 الموافق لـ 04-11-2004 على تقاعد الأرملة في الفصول 58 و59 و60 و61 لا يشير إلى القانون المذكور إلى الأرملة أو الأرامل، بل إلى الزوجة أو الزوجات، وهو أمر يتعلق بالتجويد دائما. فينص الفصل 60 على حق الأرملة في أن يتقاضى 50% من راتب الزوج الراحل أو الراتب الذي كان من الممكن أن يتقاضاه لو توفي قبل الإحالة على التقاعد حسب مفهوم النص، وحيث أن أقل ما يقبض في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي هو 1100 درهم كتقاعد، ومع التعديل الأخير سيصبح 1200 درهم. فإن الأرملة ستتقاضى 600 درهم إذ لم تشاركها أرملة أخرى فيه، وهو مبلغ بكل المقاييس لا يمكنه أن يقيم أود الأرملة وبالمطلق.

وينص الفصل 59 على حق الأرملة في معاش زواجها إذا كان الزواج قد انعقد قبل الوفاة، وهو نص غريب فهو لم يحدد مدة ثم اشتراط انعقاد قبل الوفاة، فالزواج بالتأكيد ينعقد أثناء الحياة. والنص كما هو مكتوب في القانون: 

«معدل بظهير رقم 1.04.127 صادر في 21 من رمضان 1425 (4 نوفمبر 2004) بتنفيذ القانون رقم 17.02.

يؤدي راتب المتوفى عنهم إلى الزوج إذا كان الزواج قد انعقد قبل الوفاة. غير أن الحق في راتب الأرملة يكتسب إذا ولد خلال مدة الزواج أو خلال الثلاثمائة يوم الموالية لتاريخ وفاة الزوج. »

وكما يبدو فإن لغة هذا البند غريبة جدا، قد يتعلق الأمر بترجمة سيئة كما في عدة قوانين ، فهل المقصود أن الحق في راتب الأرملة أن يكون الزواج قبل 300 يوم أم المقصود أن الطفل الذي يستحق المعاش يجب أن يكون قد ازداد خلال 300 يوم من الزواج أي 300 يوم الموالية لتاريخ وفاة الزوج في حالة الوفاة.

خلاصة

نستخلص من كل ذلك أن إلغاء نصف المبلغ من التقاعد بالنسبة للأرملة، خصوصا التي لا تتقاضى أي مبلغ هو حيف يجب التراجع عنه للأسباب التي بسطناها. وقد يطرح السؤال بالنسبة للأرامل وهن فئة قليلة اللائي يتقاضين 35 ألف درهم و 25 ألف درهم شهريا كتقاعد؟ هذا الأمر يمكن معالجته بوضع حد أدنى و حد أعلى مع اعتبار التضخم، وذلك بتحديد حد أدنى للحرص على كرامة المرأة، وحد أعلى لا يجب أن يتجاوز مبلغ معين، مع إلغاء شرط عدم الزواج، وهو أمر مهين ويعود للاستعمار الذي كان قد شيد المئات من أحياء الدعارة وصبغها ببعض القوانين المخالفة للشريعة والعدالة، وحتى القانون باعتباره يحاول عبر بنوده توخي العدالة، كما من الواجب إلغاء شرط مدة الزواج قبل نيل مبلغ التقاعد بالنسبة للأرملة.

‏مقالات ذات صلة

Back to top button