‏آخر المستجدات‏المرأة وحقوق الانسانلحظة تفكير

فريدة بوفتاس: الخلخال والحنة والقدم الكروية

في وعينا الجمعي ، ومن ثقافتنا الشعبية يحضر الخلخال والحنة كعنصرين أساسين في تأثيث مشهد جمالية القدم النسائية ، وتروى بخصوصهما حكايات عما جرى في سالف الزمان عن أثرهما في استمالة قلوب الرجال ، وافتتانهم بالنساء ، من خلال أقدامهن المخضبة ، أو أرجلهن التي تلبس خلخالا ، يزيد من جمالية القدم . والذي غالبا يكون من نصيب السيدات المحظوظات اجتماعيا ، إذ يكون من الذهب الخالص، ومن خلاله يمكن التعرف على المستوى الاجتماعي للمرأة ، كما كان يقدم كهدية ثمينة تبرز قيمة المرأة لدى من قدم لها الهدية .
أما الحناء ، فهي الأخرى كانت ولا زالت تعتبر لدى البعض وسيلة لإظهار ، أو زيادة جمال الرِّجل ، الساق ، القدم لدى المرأة .
ومع التقدم الحاصل في مجال التجميل ، تم تطوير عدة وسائل لهذا الغرض …ليظل القدم لدى العموم مقياسا من خلاله يتم إصدار أحكام قيمية ( جميل /قبيح ). وطبعا هنا لا يخفى النزوع الشهوي/الجنسي ( الواعي أو غير الواعي) والذي لا يتم الإعلان عنه صراحة ، لكن ذلك لا ينفي عدم وجوده .

في الوقت الذي عرفت فيه الثقافة الصينية ظاهرة تشويه الأقدام والرِّجْلين على العموم ، من خلال تكسير عظام الأصابع ، لتأخد شكل مثلث ، وليصير لديها مقاس محدد ، الروايات أرجعتها إلى إحدى الراقصات التي كانت تود إغواء إمبراطور ما ، فنجحت في ذلك ،لتتبعها بعد ذلك النساء لأجل نفس الهدف ،لكن هناك روايات أخرى تعزو الظاهرة الى أنه كلما كان القدم صغيرا ، كلما حظيت الفتاة بزوج أحسن ( لوتس ذهبي / فضي / متوسط … مما جعل الأسر تتهافت على هذه ” التقنيات ” الموروثة ، من أجل الإثراء على حساب بناتها.
ولقد كانت هناك محاولات كثيرة بإصدار قوانين للحد من هذه الممارسات العنيفة ، لكنها كانت تفشل ، لتتم في سرية كبيرة ، إلى أن تم القضاء عليها في الأزمنة الأخيرة .
هذه التشوهات جلبت للنساء ألما لا يحتمل ، وصيرت خطوهن بطيئا جدا حين قلصت بشكل كبير من حجم أقدامهن ، كما كانت أيضا في فترة من تاريخ الصين سببا في إقصاء بعضهن من العمل ، حين كان المجتمع في حاجة ليد عاملة نشيطة .
الأقدام أيضا كان بصددها اختلاف عند فقهاء المذاهب الأربعة في الإسلام ، حيث لم تجز المالكية مثلا أن تكون قدما المرأة عاريتين أثناء أداء الصلاة ، لأنهما عورة .
أما الشافعية فترى أنه إذا ظهر شيء من قدميها فعليها أن تعيد صلاتها في الوقت وبعده.
قدم المرأة نظر إليه بوصفه عورة إذا رآه الناس قد يكون سببا في الفتنة ، مما أوجب إخفاءه وتغطيته. في حين نجد الحنفيةعلى عكس المذهبين السابقين لا تقول بضرورة أن تغطي المرأة قدميها عند الصلاة.

لم يقف الأمر عند هذا الحد ، بل إن بعضهم ممن اهتم بهذا الجزء من جسد المرأة ، قد ذهب إلى القول إن عظم العَقِبِ إذا كان مفروشا على الأرض مصفحا ، حين تضعه صاحبته على الأرض ، فهذا يدل على اتساع رحمها ، وهو أمر غير محمود ، في حين تم استحسان الأقدام الناعمة …
هذا الهوس بجسد المرأة وبأجزائه ، وإبداع تصورات وتمثلات وأحكام ، واستيهامات وما جاورها ، قد يعرف يوما ما بعض التراجع والخفوت ، كلما تغيرت النظرة إلى المرأة بوصفها مجرد أداة للمتعة والإمتاع ، أو وعاء للإنجاب أو ضامنة لاستمرار النوع البشري .


المرأة ياسادة ليست كذلك!
جسد المرأة لا يختلف عن جسد الرجل في شيء ، إلا في ما حددته الضرورة البيولوجية ، فالمرأة والرجل كائنان بشريان لا يتفوق جسد أحدهما على الآخر ، وليس الجمال لصيقا بالمرأة فقط ، الجمال صفة يمكن أن تحمل على كل الموجودات في هذا الكون .
أما عن أقدام النساء ، فهن بعد اليوم (بعد كأس العالم للسيدات في كرة القدم التي جرت أطوارها بأستراليا ونيوزيلاندا 2023) أثبتن أنها أقدام لا تصلح لوضع خلخال ، أو خضاب قصد الغواية ، أو جلب العريس “اللقطة “، بل هي أقدام تعرف جيدا كيف ترقص بنجاح في ملاعب دولية ، رقصة النصر وهي ترمي أهدافا ساخنة في شباك كل الخصوم .

إنها أقدام تعفرت بأتربة الملاعب وبعشبها ، محققة أبهى زينتها .

لقد كانت المباريات تجري بين فرق نسائية، استطاعت أن تخوض ضمنيا معركة التحرير من قبضة عقلية ذكورية ، لم تكن لتعترف لهن يوما بهذا الحق في اللعب ، أو بغيره مما خططه لهن المجتمع من أدوار نمطية قبلية متوارثة ، ليعشن بعدها تجربة خوض مباريات، يحضرها جمهور من المتفرجين استطعن في الغالب أن يسحبن منه الاعتراف بذاك الحق الموؤود.
هي مباريات كنا فيها جميعا متحمسين ، ومشجعين ، رافعين شعارنا الوطني، لكننا كناجميعا _نحن من يؤمن بهن وبقدراتهن نسير بالحلم الكبير الى آفاقه البعيدة ، حين استطعن فرض وجودهن كلاعبات اجتزن حواجزا ، وأثبتن أن أقدامهن لا تصلح لوضع خلخال ،أاو خضاب……
. السبت 12 غشت 2023

‏مقالات ذات صلة

Back to top button