فنون وثقافةلحظة تفكير

أذ/ أحـمـد الـشَّـهـاوي: لا يعملُونَ ويضيرُهُم أن يعملَ الآخرُون

ahmad_shahawy@hotmail.com

ليست المرَّة الأولى ، وأرجو أن تكونَ الأخيرة ، التي أقتني فيها خاتمًا فاتنًا في تصميمِه وجماليات تكوينِه ، ليس مُكرَّرًا ، ثقيل الوزن ، غالي القيمة ، وقد سقط يومًا منِّي ، فإذا قُبَّته محشوة أو ملأى بقطعةٍ من الحجر الجيري ، وكنت اشتريتهُ باعتباره خاتمًا خالصًا من الفضَّة عيار 925 ، الأعلى نقاء وليونة ، وطواعية في السبك ، وقدرة على التشكيل في معدن الفضة ، وذلك النوع مقاوم للتلف والخدش ، كما أن هذا العيار يُعتبر من أجود أنواع الفضَّة ، وهو ممتاز من حيث نقائه ، ولمعانه وانعكاساته ، وخلوه من الشوائب أو من المعادن الأخرى .ونسبة الفضة النقية في هذا العيار هي 92.5 في المئة ، أي أن هناك 7.5 في المئة من النحاس والمعادن الأخرى المضافة ؛ لأنها تخلط مع بعض المعادن مثل النحاس لتصير أكثر متانة وصلابةً كما يحدث مع الذهب تمامًا . وقد استخدمت بريطانيا هذا العيار منذ القرن الثاني عشر الميلادي ثم كندا وأستراليا والدول التي كانت مرتبطة بالإمبراطورية البريطانية .والفضة النقية لا تسبب الحساسية ، وعلى الرغم من جاذبيتها فإنها سهلة الخدش والكسر وتحتاج إلى عناية مستمرة ممن سيستخدمها ، من حيث المحافظة والتلميع ؛ لأن الفضة يتغير لونها وتتأكسد ، وذلك بسبب نسبة النحاس المخلوطة مع الفضة .و الخاتم عندي قصيدةٌ متعدِّدةُ البنى ، تتطلَّب خيالا جامحًا ، ومهارةً في الصَّوْغ ، وذكاء في السَّبكِ ، ومُغامرة في اختيار الحجر الذي سيعلو المعدن ، كأنه قبةٌ لروح القلب .الصائغ شاعرٌ ، وليس كلُّ صائغ بالضرورة شاعرًا ، لأن من يخلق غير من يمارس مهنةً ، والإصبع الذي لايتختَّم ناقص من اليد ، يعني أنه غير موجود ، يؤدِّي وظيفته دون جمالية وأبهة ، هو فقط محض إصبع كغيره من الأصابع في يد عابرٍ أو عابرة ولذا دومًا أردِّد طوبى لمن يتختَّمن ، ومن يتختَّمون .ومرة اشتريت عصا نادرة رأسها من الفضة ، وما أن ضُربت في الأرض مرَّةً ، حتى تفكَّكت الرأس ، فإذا هي مملوءة بالحجارة الصغيرة .ذلك الحشو الذي يُباع لنا ، باعتباره معدِنًا نفيسًا سرعان ما نكشفه عند أول اختبارٍ حقيقي .وفي الحياة – خُصوصًا في أمور الدين والآداب والفنون والفكر – جماعة ليست قليلة العدد ، ولا يُستهان بها من حيث تبوئها مراكز مهمة هي ” حشوية ” القلب والقالب ، والمنتسبون إليها ليسوا من العامة في هيئاتهم ومواقعهم ، لكنهم من حيث الفهم والعقل من أهل العامة الذين هم حشوٌ في الكلام ، يقرءون ويكتبون ويفتُون من دون تمييز ، يخلطون بين الغث والثمين ، لا يُميِّزون بين الصحيح والضعيف ، إذ هم إلى الجهل أقرب منهم إلى العلم والعقل ، لا يعملون ويضيرهم أن يعمل الآخرون ، ومصدر التلقي والتلقين عند هؤلاء هو النقل ، إذ يقدمون المنقول على المعقول ، حيث العقل غائب لديهم ، ولا يريدون له أن يشتغل ؛ ليبتكر ويخلق ويبدع ويضيف .ومن يهتم بالخواتم معناه أنه على صلةٍ ما عميقةٍ بثقافات وحضارات الشعوب ، وأنه يفقهُ الكثير في سلوك وأمور الناس ، فخاتم سليمان وهب الحكمة ، و خاتم فرعون منح السلطة ليوسف ، وخاتم النبي محمد ختم به رسائله إلى الأباطرة ، ثم خواتم الخلفاء والسلاطين وهكذا

‏مقالات ذات صلة

Back to top button