لحظة تفكير

أذ/ عبد الله العلوي*: ســـريـــلانـــكــا بين الهند والصين

بعد فشله لأسباب خارجة عن إرادته في تسليم هدية السلطان الهندي محمد شاه: 13251351م، كانت إحدى محطات ابن بطوطة أو محمد بن عبد الله الطنجي 1322 -1377 م سرنديب، الاسم الذي أطلقه عليها التجار العرب عندما استقبل من طرف سلطانها، والتمس منه ابن بطوطة مساعدته لزيارة قدم سيدنا آدم، الذي بعد طرده من الجنة نزل في جبل سرنديب -1867 متر– وقد طُبعت إحدى رجليه على قمة الجبل وقام ابن بطوطة بقياسها بعد وصوله إلى قمة الجبل، وأكد أنها إحدى عشر شبرا.

لكن البلد الذي كان أول بلد بدأت فيه الإنسانية على الأرض حسب الأسطورة المنتشرة في المنطقة، عرف حربا أهلية بين أقلية التاميل الهندية والأغلبية السنغالية وزاد اختلاف الديانة في تأجيجها إذ التاميل هندوس والسنغال بوذيون. وقد استمرت الحرب الأهلية لعقود من السنين من 1984 إلى غاية 2009، وقد فقد مئات الآلاف حياتهم كما تم تدمير الاقتصاد السريلانكي، وقد تدخلت الهند في شخص رئيس الوزراء الراحل راجيف غاندي –اغتيل في 1991- لإقناع التاميل بقبول العيش المشترك في البلد إلا أنه اغتيل من طرف امرأة كانت تحمل حزاما ناسفا، بعد نهاية الحرب الأهلية والاتفاق على بداية مرحلة جديدة بين السنغال والتاميل الذين يشكلون نسبة 12% والمسلمين 10 % ، والمسيحيين 6% ، والباقي بوذيون، واجهت سريلانكا مشاكل جديدة اقتصادية هذه المرة حيث ارتفعت الديون متجاوزة الناتج القومي، إذ لم تستطع البلاد حتى أداء فوائد الديون فبالأحرى الأقساط، والتجأت كولمبو إلى الصين لأخذ قروض بدون فوائد لم تستطع أيضا أداءها فسلمت موانئها ومؤسساتها إلى الصين، وفتحت البلاد للصينين الذين يشكلون حاليا الجالية الأهم في سريلانكا، لكن أموال الصين لم تحل المشكل بل زادت المشكل تفاقما، فأعلن إفلاس سريلانكا. كان اختيار الصين بدل الهند يطبعه الحساسية من هذه الأخيرة، فالقادة في سريلانكا تصوروا أن الصين باعتبارها خصم الهند في المنطقة والتي حاربتها في 1962، سيخلق توازنا لصالحها، إلا أن هذا أدى إلى تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد وعادت سريلانكا والتجئت إلى الهند. فقد زار رئيس وزراء سريلانكا راجا باكسا الهند وأبرم عدة اتفاقيات لتزويد كولومبو بالمواد النفطية لتشغيل الكهرباء التي تنقطع أغلب الأوقات والمواد الغذائية التي شحت في البلاد، وقد تم فتح خط ائتماني بمليار دولار من الهند إلى سريلانكا، كما أجلت الهند ديونها على سريلانكا إلى تاريخ لاحق.

لقد فقدت سريلانكا أو سيلان أو سرنديب في القديم بوصلتها بوفاة زعيمها بندرا نيكة الذي لم تستطع زوجته “سانفو” الاحتفاظ بالحكم، وبمساحة 65.640,00، وسكان حوالي 22 مليون نسمة، واقتصاد يعتمد على البحر وعلى تحويلات العمال في الخارج أغلبهم خادمات في الخليج العربي وبالعلاقة المتوترة مع جيرانها لم تستطع سريلانكا الخروج من بوتقة الفقر، والقروض الخارجية التي ظهر أنها ليست إلا فخ وليست سريلانكا البلد الوحيد بين الهند والصين الذي يعرف تنافس البلدين الكبيرين، بل أيضا النيبال وبهوتان وتقعان في جبال الهملايا بين الهند والصين. وقد شيدت الهند طريق كلف 20 سنة من العمل وملايير، وذلك لربط البلدين مع الهند وإبعادهما عن النفوذ الصيني.

*باحث

‏مقالات ذات صلة

Back to top button