‏آخر المستجداتلحظة تفكير

أذ/مصطفى المنوزي: أي وسطية تقوي مشروعنا الحداثي وتحفظ ذاكرتنا النضالية؟

“لولا الخوف من الحوت لما تعلمنا السباحة” من رواية “الزمن الموحش” لحيدر حيدر

إن تضخم الأنا ليس مرده الغرور والثقة المفرطة في الذات فقط ، وإنما غالب أسبابه يعود إلى استعمال المخاطرة والتزيد للتغطية على الجبن الذي يغلف العزيمة المفتقدة ويعوض الإرادة الواعية المنشودة ، وقد يلعب التيه والتردد دورا كبيرا في دفع المتهور ( أو الجبان ) إلى تمويه الخصوم المفترض أو الأعداء الوهميين وحتى الحلفاء الأشباح وتضليل الذات والمحيط ، وذلك بادعاء قوة منعدمة وحجم مزيف . من هنا يمكن معاينة لجوء البعض إلى تمثل النزعة الفوضوية التي تتبنى شعار ” Ni dieu ni maitre ” ، وهو خيار يعبر عن رفض قيم الانتماء للمؤسسة ، سواء كان تنظيما او جماعة او عقلا جمعيا، أي الاحتكام للعقلانية والرصانة يجسد الامتثال والانضباط لقواعد التعايش المشترك ، وبهذا تكون الحرية ، تعسفا ، مرادفا للفوضى والتمرد والمعارضة ، وبنفس القدر يكون الاعتدال ، في نظرهم مطابقا للخذلان والخضوع والإذعان . وبذلك وعلى إيقاعه عشنا وتعايشنا ، كجيل ” القنطرة ” ، مع ثنائيات استعصى علينا بسببها أن ننعم بالإستقرار المستحق ، في واحة الفضيلة كملاذ آمن وسط بحر من الرذائل ؛ ثنائيات من قبيل الأسود أو الأبيض ، ومن قبيل الوعد او الوعيد ، والإيمان مقابل الإلحاد ، يؤطرها إدعاء الطهرانية مقابل الخطيئة وكأننا في حرب ضروس بين ملائكة الخير وشياطين الشر . صحيح أن التناقضات والصراع المترتب عنها حاضرة وضرورية ومن ثمارها ، كقانون ، انتاج التحول والتطور ، غير أن الخيار ليس دائما و بالضرورة افتعاليا وارادويا او جبريا أو قدريا . فهل قومنا اختياراتنا وسلوكاتنا المتناقضة أو المفارِقَة في اتجاه الوسطية ؟ أم فقط اكتفينا بالإعلان عن خطاب نوايا الإعتدال ، دون أن نتخلى حقيقة عن العنف والإستئصال كجواهر للشر والكراهية ؟ أم عوضنا سلبياتنا الصلبة بالاضطهاد السائل باستثمار أقنعة التقية والإزدواجية والحربائية ضمن مقتضيات القوة الناعمة ؟ ومتى سنرقى إلى مستوى التمييز بين الوسطية كفضيلة من شأنها تقوية مشروعنا الحداثي والحضاري ، وبين التوفيقية كرذيلة تضعف موقعنا التقدمي لفائدة من نستقوي بهم ، في صفوف الأصوليات هنا وهناك ؟

‏مقالات ذات صلة

Back to top button