‏آخر المستجداتلحظة تفكير

د محمد الدرويش*: رسالة إلى البروفيسور عبد الحكيم بنتريس الأمين العام للتعليم العالي والبحث العلمي بالجزائر

ما جرني للتفاعل مع رسالة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الجزائرية وانتقاد النظام الجزائري في قراره هذا الذي يناقض كل الأعراف الدبلوماسية والاكاديمية والدولية، فأن يبعث وزير التعليم العالي والبحث العلمي رسالة إلى الرؤساء يطلبهم فيها انسحاب أساتذة جزائريين من عضوية مجلة بحثية علمية مغربية، تناقش قضايا القانون والقضاء في المغرب وغيره من الدول، ودعوة الأساتذة الباحثين بالجزائر الشقيقة لعدم المشاركة في أي مؤتمر أو ندوة علمية، فهذا قمة التخلف والانحطاط السياسي، يصدر عن نظام يومًا عن يوم يتضح جليًا للرأي العام المغاربي والدولي العداء الدفين الذي يكنه للمغرب، فهو لم يترك أي مجال من المجالات للتعبير عن هذا الحقد والعداوة والكراهية، تجاه كل ما يأتي من المملكة المغربية، لدرجة يصعب على أحدث مدارس علم النفس إيجاد تفسير مقنع لذلك، فكيف يجوز إيجاد الدواء إذا استحال تشريح الحالة المرضية هاته !!!
وهو رد على تصرفات نظام جزائري شغله الشاغل في كل تحركاته الداخلية والخارجية هو الإعلان عن عدائه المتجدد للمملكة المغربية، وبذلك يضيع على الشعب الحزائري الشقيق وعلى الشعب المغربي، وعلى كل الدول المغاربية فرص ربح ما يفوق النقطتين من الدخل الفردي، ويضيع على المنطقة فرص كونها قوة مغاربية اقتصادية وثقافية واجتماعية وأكاديمية، ولو كان النظام الجزائري عاقلا وقارن بين الربح والخسران في عداوته المجانية تجاه المغرب، لاختار تقوية العلاقات مع جاره وتحاشى سياسة اختلاق العداوات المجانية مع ، لكن مع كل أسف لا منطق ولا عقل لهذا النظام الذي يقضي أيامه يبحث عن مجالات الاختلاف المفتعلة، كان آخرها ما حصل لإخواننا الصحافيين والرياضيين المغاربة المشاركين في ملتقى وهران 2022 ، ومباشرة بعدها فوجئ الرأي العام الوطني والجزائري خصوصا والرأي العام الدولي بمضمون الرسالة الصادرة عن وزارة التعليم العالي بالجمهورية الجزائرية، والتي وقعها السيد الأمين العام لذات الوزارة بتاريخ 3 يوليو 2022 تحت رقم 1063 / أ.ع / 2022 ، والتي أشرنا إلى مضمونها ، فكيف لنظام يتخذ قرارات ضد الأساتذة الباحثين لأنهم أعضاء لجنة علمية لمجلة صدر بها مقال علمي لباحث شاب يناقش القضية الوطنية وينتصر الطرح المغربي، أليس لهذا النظام أساليب أخرى للرد على هذا الطرح بأخلاق علمية أكاديمية ؟ عوض اللجوء إلى منطق السلطة والمنع كما هو مبين في مضمون الرسالة، بل تعدى ذلك إلى منع أي مشاركة جزائرية في المؤتمرات والندوات المنظمة في المغرب مع عدم نشر أي مقال أو بحث في المجلات المغربية بكل تخصصاتها !!!!! تحت ذريعة أن الأساتذة الباحثين المغاربة يوظفون زملاءهم الجزائريين في سياسة المغرب العدائية ضد الجزائر !!!!
أما موقف النظام الجزائري هذا فلا يمكن تفسيره بأنه توجيه للبحث العلمي الذي من شروطه الأساس الحرية الاكاديمية التي تعد مفتاح أي بحث علمي رصين، فالسياسي من حقه أن يطلب من الأكاديمي إجابات علمية عن قضايا تشكل مفاتيح إشكالات و مشاكل مجتمعية و يحدد له مجالات البحث و ما ينتظره من إجابات عملية ميدانية لا حدود لأصلها ومنبعها و منتجيها، فالعلم لا موطن له ولا دين له ولا ممتلك له، فهو ملك عمومي يستفيد من نتائجه كل دول العالم ، ومن ثم لا يمكن تفسير ما يصدر عن النظام الجزائري تجاه المغرب في كل المجالات الا رعونة سياسية وتصرفات حمقى تفتقد للرصانة والعقل والمنطق في تدبير شؤون الدولة الجزائرية.
وللإشارة فقط، فالسيد الأمين العام البروفيسور عبد الحكيم بنتريس لم يمض على تعيينه أمينًا عاما لوزارة التعليم العالي شهران اثنان. فقد كان إلى حدود 20 مايو الماضي رئيسا لجامعة الجزائر 1 ، فهل نسي السيد الأمين العام وهو رئيس جامعة ومسؤول وأستاذ باحث خطاباته وافتتاحيات مجلات الجامعة والندوات والمؤتمرات حول تشجيع البحث العلمي وتكريم العلماء والمفكرين وتبادل الخبرات والتجارب والحريات الأكاديمية لتنمية البحث وتطويره وغيرها ، وهل بقراره هذا سيمنع التواصل العلمي المعرفي المغاربي في زمن العولمة ؟ أم أنه لبس لبوس النظام الجزائري الحاكم المعادي لكل ما يأتي من المغرب، والذي يتنفس هواء الحقد الدفين ضد المملكة المغربية الشريفة …
لقد بلغت الحالة المرضية للنظام الجزائري حالة من اليأس يصعب معها إيجاد الدواء والحلول، بمسها الحريات الأكاديمية للزملاء الأساتذة الباحثين بالشقيقة الجزائر، علمًا أن ما يجمع الشعب المغربي والشعب الجزائري الشقيق أكبر بكثير مما يتخيله أو يتصوره النظام الجزائري المتحكم في رقاب شعب بكامله، والذي يبحث بكل الوسائل عن اختلاق المشاكل مع المملكة المغربية دون موجب حق طبعًا، والمنع هذا لن يزيد الأساتذة الباحثين المغاربة والجزائريين إلا تقربًا وترسيخًا لتواصل علمي معرفي أكاديمي حر منتج لما فيه خير لشعوبنا.

وبالمناسبة، لا بد من تذكير النظام الجزائري بأن الجامعات المغربية والمنظمات المدنية والحزبية، تستقبل مئآت الأساتذة الباحثين والفاعلين الأكاديميين والاجتماعيين والسياسين على طول السنة، يأتون إلى بلدهم مرحب بهم ونسخر لهم كل أسباب راحتهم وزياراتهم الأكاديمية والاجتماعية، فلماذا يريد البعض إفساد هاته العلاقات القوية بالتاريخ والجغرافيا والثقافة والدين والنسب حتى ؟
فالمنطقة المغاربية تخسر اقتصاديا ما يقارب نقطتان في الدخل الفردي، ووجود تكتل مغاربي هو وجود منطقة اقتصادية قوية بمواردها البشرية وطاقاتها الطبيعية وقوتها الاستهلاكية ومواقعها الجغرافية .
فلماذا يعمل النظام الجزائري الحاقد على اختلاق الكراهية والبغضاء بين الشعبين .؟!؟؟
و قبل الختم ، أدعو السيد الأمين العام إلى سحب هاته الرسالة. فنشرها يسيء للدولة الجزائرية برمتها، و يضع البحث العلمي الجزائري في الميزان. فالاستقلالية الأكاديمية أحد مفاتيح البحث العلمي والحكم على نتائجه، اللهم إني بلغت فاشهد.
و ختاما أوجه نداء من القلب إلى حكام الجزائر، كفوا عن العداء ضد المغرب وعودوا إلى رشدكم إن استطعتم إلى ذلك سبيلًا ، ولا تضيعوا أموال شعبكم في ما لا يفيده ولا علاقة له به، واستثمروا في استرجاع اللحمة بين البلدين الشقيقين لما فيه خير لنا جميعًا، و لنطو الصفحة ونفتح أخرى جديدة نقية صافية، تذكر بأمجاد شعبينا وتنسى نقط الخلاف بين النظامين، فما يجمعنا أكثر بكثير مما يفرقنا، و لنستفد من العلاقات الفرنسية الألمانية و كيف تم طي الصفحات الأليمة وكيف يتم بناء الحاضر من أجل المستقبل. فمستقبل بلدكم جزء من مستقبل المنطقة المغاربية اقتصاديا واجتماعيا وسياسيًا.


*أستاذ التعليم العالي فاعل سياسي و اجتماعي و اكاديمي

‏مقالات ذات صلة

Back to top button