لحظة تفكير

د محمد فخرالدين: الأركيولوجيا والأنثربولوجيا.. الإضاءات المتبادلة وآفاق العمل المشترك

ذاع صيت الأركيولوجيا و الأنثربولوجيا في العالم، وأمد العلمان الإنسانية بالطاقة المتجددة والقدرة  على البحث والاستكشاف والفهم ، ونابا مناب الفلسفة والتاريخ، سواء من خلال اكتشاف منجزات وآثار الماضي البعيد والقريب أو منجزات البشرية المستمرة فيما تسميه ثقافة ، ولن ندخل في نقاش أي العلمين يشمل الآخر ، ولكن سنتكلم عن بعض التقاطعات وبعض آفاق العمل المشترك وكيف يمكن أن يستفيد أحدهما من الآخر .

الأنثروبولوجيا Anthropology:

 علم الإنسان (Anthropology) أو  كما يعرفه بعض الباحثين هو دراسة كل جوانب ومناحي حياة الإنسان ، كيف يعيش الناس  و كيف يفكرون ؟ ماذا ينتجون ؟ وكيف يتفاعلون مع بيئتهم ؟  يحاول هذا العلم  فهم المدى الواسع للتنوع الإنساني، إضافة إلى المشترك بين البشر.

ومن الأسئلة التي يحاول الأنثروبولوجيون الإجابة عنها  :

متى، أين، وكيف تطور البشر ؟

كيف يتكيف البشر مع البيئات المختلفة ؟

كيف تطورت المجتمعات وتغيرت من الماضي القديم حتى الحاضر ؟

إن الأجوبة على مثل هذه الأسئلة يمكن أن تشرح لنا ماذا يعني كوننا بشراً ؟

كما يمكن لها أن تساعد في تعليمنا طرقاً لتقريب حاجات الناس عبر العالم ، وكيفية التخطيط لعيش المستقبل في مختلف مناحي الحياة في تأسيس المدن الجديدة أو الذكية ، أو الوظائف المستحدثة والإدارة الرقمية أو في التعامل مع التكنولوجيا والقانون والفنون ، في وضع المؤسسات وفي حذفها،  في الملكية العقارية ، وفي اجتناب الكوارث والحروب والوقاية من الجرائم وكل ما يهدد حياة البشر ..

علم الأنثروبولوجيا أو علم الثقافة أو علم الإنسان هو علم شامل لأن موضوعه الثقافة التي ينفرد بها الإنسان من بين جميع  الكائنات، والتي تعني في التحليل الأخير كل ما أنتجه الإنسان وأنجزه عبر التاريخ وفي المستقبل باستعماله فكره وخياله وموارده ، وما فرضته عليه الجغرافيا و المناخ وسيرورة التاريخ …

ونلاحظ تعالقات جهوهرية بين الأنثروبولوجيا والثقافة، حتى أصبح مفهوم الثقافة من المفهومات المركزية التي تعالجها الأنثروبولوجيا في القرن العشرين، وتشمل كل ظواهر حياة الإنسان.

  أما الأركيولوجيا  (Archeology)فتعرف باعتبارها فرعا من علم الإنسان الذي يركز على المجتمعات والثقافات البشرية الماضية وليس الحاضرة .

 وتعني بالبحث ودراسة مختلف المخلفات واللقيات والآثار الإنسانية  أو ما بقي منها ، والتي استمرت بالتواجد إلى الوقت الحاضر ، وأيضاً الأحافير الإنسانية .

وتنظر إلى البيئات الماضية ، لكي تفهَم مدى تأثير المكونات الطبيعية كـ”المناخ والطعام المتواجد” على تشكيل الثقافة الإنسانية . ويدرس بعض الأركيولوجيون الثقافات التي تواجدت قبل تطور الكتابة ، أي في فترة “ما قبل التاريخ”

(prehistory) ..

والدراسة الأركيولوجية لحقبات تطور البشرية منذ التواجد البشري وحتى فترة تصل إلى عشرة آلاف عام قبل الميلاد أي حتى بدء الثورة الزراعية  تدعى “باليوأنثروبولوجي” (Paleoanthropology)  علم الإنسان القديم  .

 أما دراسات حقبات زمنية أحدث، من خلال البقايا المادية والوثائق المكتوبة ، فتدعى الأركيولوجيا التاريخية حسب بعض المصادر ، وتستعمل الأركيولوجيا مناهج و تقنيات مستوحاة من علم الجيولوجيا والعلوم الطبيعية وعلم الإحصاء وغير ذلك ..

وتتفرع الأركيولوجيا حسب الباحثين في هذا العلم  إلى العديد من الأنواع مثل علم الآثار الأحيائي الذي يقوم بدراسة البقايا البشرية، الحيوانية والنباتية مثل دراسة الهياكل العظمية وأعمارها، كما يدرس علماء الآثار بقايا البشر الموجودة تحت الماء أو في السواحل، ناتج أغلبها عن غرق السفن القديمة بما تحتويه من بقايا المقتنيات البشر الذين كانوا على متنها، أو بعض المعالم التي غمرتها مياه البحار في أزمنة قديمة ، مع الإشارة إلى أن  القاعدة المهمة عند استخراج أيّ أثر وقبل تحليله وفحصه هو تحديد مكان استخراجه بالضبط ثم البدء بتحليل تاريخه حتى لا تضيع أيّ معلومة تاريخية هامّة …

إن الأركيولوجيا طريق ملكي لمعرفة التاريخ فمن المهم لعالم الآثار أو الأركيولوجيا معرفة تاريخ القطع، وتتفاوت طرق معرفة تاريخ القطع من الطرق البسيطة إلى الطرق شديدة التعقيد التي تحتاج للعديد من المعارف والأدوات الدقيقة، وفيما يأتي بعض هذه الطرق المستخدمة في علم الآثار كما يشير إلى ذلك المختصون :

التاريخ الذاتي: حيث إنّ بعض القطع كالعملات المعدنية التي تتضمن تاريخها موضحًا عليها.

 التاريخ النسبي: حيث يمكن تحديد تاريخ القطعة نسبة إلى تاريخ القطع الأخرى المحيطة بها.

 التسلسل الزمني للطين: حيث يمكن للعلماء دراسة طبقات الطين والرواسب المحيطة بالقطعة ودراسة الزمن بين كل طبقة وأخرى.

 حلقات خشب الأشجار: حيث يمكن للعلماء عدّ حلقات خشب الأشجار وتقدير عمرها. الكربون المشع: يمكن للعلماء قياس الكربون المشع للعناصر والآثار التي يتجاوز عمرها الخمسون ألف عام. البوتاسيوم المشع: تشبه هذه الطريقة الكربون المشع لكن باستخدام عنصر البوتاسيوم الذي يكشف الآثار التي تعود إلى مالا يقل عن مليوني عام.[1]

وبشكل عام يستعين علم الآثار بعدد من العلوم التطبيقية والإنسانية، وفي مقدمتها علم الأنثروبولوجيا الذي يهتم بدراسة الهياكل العظمية المكتشفة لتحديد العرق أو الأعراق التي تنتمي إليها تلك الآثار وتاريخ تواجدها وتطورها في بيئاتها..

 وتستعين الأركيولوجيا كذلك بعلمي الجيولوجيا والجغرافيا ليساعداها على تحديد الوسط الطبيعي أو البيئة التي مارس الإنسان فيها نشاطه عبر العصور، كما يستعين علم الآثار بعلوم أخرى عديدة مثل الطوبوغرافيا والإثنوغرافيا والفيزياء والكيمياء والذرة وغيرها.

و يقوم علماء الآثار بدراسة الأدوات والظواهر وتحليلها بغية الحصول على معلومات مثل: كيف صنعت الأدوات وأين استخدمت؟،

وفي بعض الأحيان يحصل العلماء على معلومات من خلال التجربة المباشرة، وتساعد الأدوات وعلى تفسير الحياة الاجتماعية التي كانت قائمة في الأزمنة القديمة، فحجم البيوت يمكن أن يبين عدد الناس الذين كانوا يعيشون في بيت واحد، وتدل كمية الأحافير التي يُعثر عليها في أحد القبور وقيمتها، على الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الشخص المدفون.

الثقافة :

من أقدم تعريفات الثقافة التعريف الذي قدمه إدوارد تايلور في تصدير كتابه «الثقافة البدائية» (1871) حيث عرَّفها بكونها :

«تلك الوحدة الكليّة المعقّدة التي تشمل المعرفة والإيمان والفنّ والأخلاق والقانون والعادات، بالإضافة إلي أيّ قدرات وعادات أخرى يكتسبها الإنسان بصفته عضواً في مجتمع».

ويميز الباحثون بين روح الجماعة التي هي نسق أو نظام ثقافي قائم الذات لدى شعب من الشعوب ، و هي الجو العام والخاصية التي تطبع حياة الناس، وهي أسلوب هذا الشعب فيما يتعلق بالخلق والذوق الجمالي والمزاج العام، بل هي موقفهم  الأساسي تجاه أنفسهم واتجاه العالم كما ينعكس ذلك في الحياة.

والنظرة إلى العالم التي هي الصورة التي تتكون لديهم عن الأشياء كما هي في الواقع ، والتي تشكل مفهومهم عن الطبيعة، عن الذات، وعن المجتمع  .

ومع التقدّم الحاصل في علم الأنثربولوجيا، قدّم علماء آخرون تعريفاتهم الخاصّة والمتعدّدة لمفهوم الثقافة حتّى أنّ عالمي الانثروبولوجيا الأميركيين أ. ل. كروبر وكلايد كلوكن أثبتا في كتابهما المعنون

«الثقافة: مراجعة نقدية للمفهومات والتعريفات» تعريفاً يتراوح من «السّلوك المثقف» إلى «الأفكار في العقل»، إلى «التركيب المنطقيّ»، إلخ.

 إلا أنّ التعريف المفضّل عندهما هو أنّ الثقافة «عمليّة تجريديّة»، أي «تجريد مستخلص من السّلوك»، ولكنّها ليست سلوكاً.

وللثقافة في حياة الإنسان الفرد أثر لا يمكن تحديد مداه بدقة، فالطفل يدخل العالم من دون فكرة مسبقة ومن دون ثقافة ، وتتشكّل شخصيّته وسلوكاته ومواقفه وقيمه ومعتقداته بالثقافة التي تحيط به من كلّ جانب.

 وهذا ما حدا بالكثير من الباحثين إلى النظر في التأثير الذي تمارسه العوامل البيولوجيّة والثقافيّة في تشكيل الشخصيّة الإنسانيّة.

تتألف الثقافة : (Culture) من كل الأفكار ، الأشياء ، وكيفية القيام بالأعمال التي أبدعتها الجماعة .

وتتضمن : الفنون ، المعتقدات ، العادات ، الإختراعات ، اللغة ، التقنيات ، والتقاليد ، وغيرها…

 أما مصطلح الحضارة وإن كان شبيهاً بها ، إلا أنه يشير إلى أساليب حياة متقدمة وأكثر علمية.

وتنشأ الثقافة من اكتساب وتعلم طرق الأداء ، والشعور ، والتفكير ، ولا ترتبط بالطرق البيولوجية الفطرية .

 على الثقافة أن تتواجد في مكانين في الزمن نفسه :

أ.عليها أن تتواجد في المحيط/البيئة على شاكلة أدوات/تقنيات وسلوك .

ب.كما عليها أن تتواجد في عقل الفرد كمجموعة من الأفكار لفهم وتقييم الأدوات والسلوك .

إن الثقافات تختلف فيما بينها في طرق تأمين الحاجات المتشابهة ، مثلاً تختلف مؤسسة الزواج بشكل كبير بين الثقافات، وإن كانت الحاجة واحدة إنجاب الأطفال مثلاً ..

الحضارة : (Civilization)

هي أسلوب حياة ينشأ بعد أن يسكن الناس المدن أو في مجتمعات منظّمة كالدول .

 اشتقت الكلمة من الكلمة اللاتينية (Civis) والتي تعني المواطن في الدولة/المدينة، وتتألف الحضارة من الفن ، العادات، التكنولوجيا ، شكل الحكومة (والنظام السياسي )، وكل شيء آخر يؤسس أسلوب الحياة في المجتمع .

 من هذا المنظور  تتشابه الحضارة مع الثقافة ، إلا أن الثقافة تشير إلى أي أسلوب حياة ، وتتضمن أسلوبي الحياة البسيط والمركب .

 بينما تشير الحضارة إلى أسلوب الحياة الذي يتميز بأنظمته الإجتماعية ، الحكومية ، والاقتصادية المعقدة/المركبة .

 لذا ، يمكن القول أن كل إنسان يعيش ضمن “ثقافة”، لكن ليس بالضرورة ضمن “حضارة”، وكان لنشوء وارتقاء الزراعة الأثر الكبير في تطور الحضارة .

الأنثربولوجيا الثقافية  :

يدرس علم الإنسان الثقافي (Cultural Anthropology)الثقافة الإنسانية .

 كعلماء الآثار ، يدرس الأنثربولوجيون الثقافيون الحرف، الفنون، المنازل، الأدوات، ونتاجات الثقافة المختلفة.

 كما يخصصون جهوداً وأبحاثاً كثيرة لدراسة نتاجات الثقافة غير المادية ، بما تتضمنه من رموز ، وقيم، ومعتقدات دينية، وموسيقى.

الأنثربولوجيا الاجتماعية :

نجد في “بررونيسلاف مالينوفسكي” واحداً من أهمّ وأبرز الأنثروبولوجيين في القرن العشرين، ويعتبره الكثيرون مؤسّس الأنثروبولوجيا الاجتماعية، ويرتبط اسمه بالدراسات الميدانيّة الواسعة حول شعوب أوقيانيا، حيث درس سكّان أستراليا الأصليين، ثمّ قبائل المايلو في غينيا الجديدة عام 1914، وتركّزت ملاحظاته على نواح متعدّدة من حياة السكّان منها:

 الاحتفالات والزراعة والاقتصاد، والجنس والزواج والحياة العائليّة، والقانون البدائيّ والعادات، والسّحر والخرافة، الأمر الذي مكّنه من تقديم استنتاجات تنظيريّة ساهمت في تطوير الأنثروبولوجيا الاجتماعيّة.

أمّا الذي وضع الأنثروبولوجيا الأميركيّة على سكّة البحث المنهجيّ، وحاز لقب «أبو الأنثروبولوجيا الأميركيّة»، فهو فرانز بواس(1858 – 1942)، حيث استعمل المنهجيّة العلميّة للتوصّل إلى فهم الحضارات والتراثات الإنسانيّة.

وتكمن الأهميّة التاريخيّة لإنجاز بواس في أنّه كان من الأوائل الذين اعتنقوا عمليّاً الفكرة القائلة بأنّ أفراد الأعراق البشريّة المختلفة يمتلكون القدرة ذاتها على التطوّر الفكريّ والحضاريّ، وبالتالي تساوي الأعراق وعدم دونيّة عرق ما أو تراثه بالنسبة إلى الأعراق الأخرى.

وكما تتميز بنيويّة ستراوس بتأثيرها على مسار الأنثربولوجيا بشكل عام ، باعتمادها على تحليل الأنظمة الثقافيّة مثل النسب والأساطير، بالنظر إلى العلاقة البنيويّة بين عناصرها، وقد امتدّ أثرها إلى حقول معرفيّة أخرى مثل الفلسفة ومقارنة الأديان والأدب وغيرها.

بالإضافة الأنثربولوجية التأويلية  للباحث الأنثروبولوجيّ الأميركيّ كليفورد غيرتز (1926 – 2006)، من خلال كتابه «تأويل الثقافات»،  الصّادر عن المنظمة العربية للترجمة، هو بحث في الثقافة من وجهة نظر أنثربولوجيّة الذي كان معبراً عن أفكاره الأساسيّة في التراث، و كان له أثر مهمّ في الدراسات الأنثروبولوجيّة.

 وغيرتز كان واحداً من أبرز علماء الأنثربولوجيا الأميركيين وأبعدهم تأثيراً خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي ، ويعتبر مؤسّس المدرسة التأويلية في الأنثربولوجيا ومن أكبر الدّعاة إلى إيلاء الأهميّة لدراسة الرموز في الثقافة، باعتبارها  تُضفي معنى ونظاماً على حياة الإنسان.

 و قد قام غيتز بأبحاث ميدانيّة في إندونيسيا حيث درس موضوع الدين، وكانت نتيجة أبحاثه كتاب «الدين في جاوة» عام 1960 ، كما  انتقل إلى المغرب، وقام بأبحاث بين 1963 و1971 حول الإسلام،و كتب كتابه «ملاحظة الإسلام: التطوّرات الدينيّة في المغرب وإندونيسيا» (1968)، وهو مقارنة عميقة للإسلام، كما يراه المغاربة والإندونيسيون.

وكانت الأنثروبولوجيا التأويليّة عنده هي قراءة النصوص بما هي كذلك ، ولذلك، فإنّ كلّ عناصر الثقافة التي يجري تحليلها يجب أن تفهم في ضوء هذا التحليل النصّي.

وقد توصل إلى استنتاج يقول بأنّ الكائن البشريّ هو «حيوان يصنع الرموز والمفاهيم وينشد المعاني».

وقدّمت كتاباته استبصارات حول مدى الثقافة، وحول طبيعة البحث الأنثروبولوجيّ، وحول فهم العلوم الاجتماعية عموماً.

 يقول غيرتز إنّ نظريّة «الأنثروبولوجيا التأويليّة» «كانت امتداداً لاهتمامي بأنظمة المعاني والعقائد والقيم والنظرات إلى العالم وأشكال الشّعور وأساليب الفكر التي كانت شعوب معيّنة تبني وجودها من ضمن شروطها».

 ويحاجج بأنّ الثقافة هي التي تُضفي المعنى على العالم في أعين أصحابه، فالثقافة تُقرأ كما يُقرأ النص.

 والثقافة، بما هي نصّ، تتألف من الرموز، التي هي نواقل للمعنى. وهكذا مهّد غيرتز، في ابتعاده عن البحث الإمبيريقيّ ليدخل في عالم كتابي خاصّ، الطريق إلى اتّجاه أدبيّ الطّابع في الكتابات الأنثروبولوجية في الثمانينات من القرن الماضي.

 كتب مقدّمة نظريّة شكّلت الفصّل الأول للكتاب، بعنوان «التوصيف الكثيف: نحو نظريّة تأويليّة للثقافة».

فالنظر في الأبعاد المميّزة للعمل الاجتماعيّ – سواء كان فنّاً أو ديناً أو عقيدة أو علماً أو قانوناً – يعني عدم إشاحة النظر عن الإشكالات الوجودية في الحياة لمصلحة أشكال جامدة في العلم، بل هي الغوص في لجّة هذه الإشكالات لتفسيرها وتحليلها من الداخل ، بعيدا عن أي إسقاط بوضع مسافة للتحليل ، و باستحضار مفهوم الغيرية في علاقة الباحث بموضوعه ..

 وبهذا تكون مهمّة الأنثروبولوجيّ التأويليّ ليس تقديم إجاباته عن الأسئلة العميقة في الوجود، بل في تقديم الإجابات التي قدّمها الآخرون في ثقافات أخرى عن هذه الأسئلة.

الانثربولوجيا و الأركيولوجيا :

تظهر الانثروبولوجيا شاملة لدرس الأركيولوجيا بحيث يمكن أن تدمج مخرجاته في علم الثقافة ، وتظهر الأركيولوجيا  كأداة عملية فعالة يمكن ان تستعين الأنثروبولوجيا بمناهجها وتفنياتها من اجل تحقيق أكبر قدر من العلمية والموضوعية ..

فإذا كانت الأركيولوجيا تهتم   بآثار الماضي، وان كانت تتميز في موضوعها وتقنيات عملها فهي تظل اكتشافا للانسان وثقافته ، وتظل تلك الاثار تعبيرا عن ثقافة الانسان وإخبارا عن طبيعة هذه الثقافة وتنوعها وتطورها ..

ويمكن للأنثروبولوجيا أن تستفيد من عمل الاركيولوجيا في فهم الانسان وثقافته ..خاصة عندما تبحث عن أمور منسية ولم يعد لها وجود في هذه الثقافة نفسها حيث ينقلب البحث الأنثروبولوجي إلى بحث أركيولوجي للتنقيب عن هذه الثقافة المطمورة في الأذهان أو الموجودة في بعض الكتابات والنقوش ..

كما يمكن أن تستفيد الانثروبولوجيا من المنهج الكشفي للاركيولوحيا في البحث عن ثقافة الانسان المفتقدة والمطمورة في الذهن أو في الكتابة او في صخور او في النقوش الصخرية .. على اعتبار الانثربولوجيا بحثا عن بقايا ثقافية للانسان وو تنقيبا في ذهنه الخفي عن لقيات ما انتجه الانسان في الماضي من فنون القول التي لم يعد لها وجود الآن وهو بحث أكثر صعوبة من محاولة العثور على لقيات مادية ..هكذا تتسطر آفاق العمل المشترك عندما تقارب الأركيولوجيا جزءا من اهتمام الانثروبولوجيا ، وعندما تستعير هذه الاخيرة تقنيات البحث الأركيولوجي ومرجعياته المتميزة لبناء الهوية الأنثروبولوجية للإنسان  ..


[1] https://sotor.com

‏مقالات ذات صلة

Back to top button