لحظة تفكير

د. م علي الخامري : بوارق أمل تلوح في حضيرة الملحون بمراكش


( المعالجة الثانية : أما آن الأوان لأهل الملحون وجمعياته بمراكش أن تتكامل)

في الأمسية التي نظمتها جمعية ( خربوش للصناع التقليديين والمحافظة على التراث ) بقيادة الشريف العلوي مولاي عبد الحفيظ المعروف بالكيكس يوم الجمعة 3 ديسمبر 2021 م ابتهجتُ كثيرا بمضمون الأمسية الفني والمتنوع ، وبمستواه الرائق ، وابتهجتُ أكثر بحضور مجموعة من الوجوه المحسوبة على الفن المذكور ، وكلهم من الأصدقاء الذي أعرفهم وأقدرهم وقد تشتتت بهم فٍجَاجُ شَتَّى بسبب بعض الخصومات ومواقف العنترة والسلب الفاقدة لأي سبب وجيه ومُقنع سوى ما ما تتضمنه من آثار التعالي والاحتكار ، وبَخْسِ مؤهلات الناس ومواهبهم للأسف الشديد .

في مقال سابق خصصته للمنشدين دعوت فيه إلى تضاقر الجهود من أجل إنقاذ مدينة مراكش من الجفاف الموعود على صعيد الإنشاد ، واليوم تبين لي بعض الأمل والرغبة في البذل والعمل الجماعي المشترك ، وأظن ذلك من نتائج المقال السابق الأولية ، ومن الصدى الإيجابي الذي يمكن أن ننطلق منه لتأسيس عهد جديد في صناعة الملحون بمدينة مراكش ، يضم الجمعيات التي تُظهِر رغبتها في التعاون والتكامل ، والعمل على خدمة فننا بطرق علمية ومتطورة ، مُؤَسَّسة على المعرفة الثقافية والفنية ، وساعية إلى المحافظة على تقاليده المذكور وطقوسه داخل مدينتنا .

ثنائية القديم والجديد تنخر جسم الملحون بمراكش ، وتُطرَح كمعيار للتفاضل والتباهي ، فالقدماء يعتبرون أنفسهم أسودا في الميدان ، ولهم الأهلية بمفردهم للعمل كما يحلو لهم ، والجدد يطمحون إلى تخطي تلك الحواجز النفسية القديمة ، ويرغبون في إزالة المعيقات التي كانت سببا أساسيا في خروجهم عن النموذج القديم المسيطر ، وهذا التصدع الذي وقع إِنْ هو تأسس على منافسة شريفة وعلى اجتهاد وتعارك فني فإنه سيصبح لصالح الملحون ، وستيفرز نتائج جليلة وسريعة .

في أمسيتنا رأيت أناسا من جمعيات مختلفة متجانسين ومتعاونين ومتكاملين مثل جمعية ( الورشان……) وجمعية ( محمد بوستة ) بالإضافة إلى جمعية ( خربوش….) ، وهناك عازفون ومنشدون لا منتمون ومن خيرة ما أنجبت مدينة مراكش ، حضروا الأمسية وساهموا في إنجاحها .

وعلى صعيد الأسماء نذكر الحضور التالي : الشيخ الشاعر والمنشد محمد البدناوي ، والشيخ المنشد محمد المسكيني ، والشيخ المنشد يوسف دهده ، والشيخ المنشد عزيز ماكامات ، والشيخ المنشد إسماعيل بوعابد ، والشيخ المنشد الحسين كعير ، والطفلة الواعدة في الإنشاد هبة لبيب ، بالإضافة إلى بعض العازفين المَهَرة مثل الشيوخ عمر درعان وعبد الله الفخاري والشريف مولاي سعيد….. وغيرهم .

ومن هؤلاء الشيوخ من كان يتنقل بين حفلات الجمعيات التي أقامت أمسيتها في نفس اليوم ، وهنا حدثت نفسي ، وتمنيت لو تواصلت هذه الجمعيات فيما بينها ، ونسقوا مواقفهم لكان الأمر إيجابيا بشكل كبير جدا ، فبدل أن يقع الضغط على أمسية واحدة ، ويتفرق الناس تبعا لتفرق الأماكن والجمعيات ينبغي أن ندعو إلى التكامل والحوار الجامع لهذا الشتات لنخرج بصيغة تحافظ على استقلال كل جمعية في كينونتها المادية والمعنوية ، وفي تصوراتها وأهدافها ، ولكن في مثل هذه الأمسيات نسعى إلى التنسيق للتخفيف من الأعباء ، ولتحقيق شرط التكامل القائم على المعطيات التالية :

1 – كل جمعية تعقد أمسية احتفالية باسمها وبمشاركة الجمعيات الأخرى التي ترغب في العمل الجماعي المتكامل .

2 – إفساح المجال لحضور أكبر عدد من الشيوخ في الإنشاد والعزف ، وفي التسويق المكثف لفن الملحون بطرق متعددة وأساليب متنوعة تنوع الرؤى المختلفة الحاضرة في الأمسية.

3 – تقوية فُرَص اللقاءات المفتوحة ، ومَدُّ الجسور أسبوعيا بنفَس جديد يغلب عليه الصفاء والمحبة ، وتبادل التجارب والخبرات ، ومن شأن هذا الواقع الجديد والمبتغى أن يساعد على بروز تلك الأجواء الإضافية المفقودة والضرورية في عملية التلاحم والتعارف والتكامل من أجل تحقيق الاستفادة الجماعية المنشودة .

4 – في أمسية جمعية ( خربوش……) اختفت كل السلبيات القديمة ، ومن لم يكن مطلعا على الوضع قديما سيظن أن أهل مراكش يشكلون الاستثناء في العمل الجمعوي المتفاعل والمتكامل وهي الصورة التي نتمناها ونتطلع إلى تحقيقها في القريب العاجل .

5 – على الجمعيات الجديدة أن تستفيد من أخطاء نظيرتها القديمة ، فإذا كان صراع الأمس يدور حول الأشخاص ، وحول الزعامات ، وكانت له ظروفه الخاصة فينبغي على الجمعيات الجديدة أن تقطع صلتها بتلك التعاملات الآثمة ، وتعمل على بلورة مشروع جديد ومشترك يجمع ولا يفرق ، ويتكامل ويبدع ، ويحاول القضاء على ترسبات المواقف السلبية السابقة .

6 – المشروع الموعود يجب ألا يُقصِي أحدا ، وألا يقوم على الثنائية المتعارضة قدماء وجدد ، فكل من أبدى استعداده للعمل الجماعي المتكامل يُرحَّب به ، ولا يُنظَر في شأنه إلى الماضي ، ولا إلى حجمه وإمكانياته ، فالهدف في النهاية هو الجمع والاستفادة من الخبرات أينما وجدت حتى ولو كانت قليلة .

7 – العمل المشترك الموعود يجب أن يؤسس على أفعال ملموسة وواضحة ، ويرتكز على بلورة أهداف قابلة للتحقيق ، فبالإضافة إلى المحافظة على عادة الجُمَعِيات بزخم ومضمون متنوع ، وحضور مكثف يتفق الجميع على غايات مبتكرة في كيفية المحافظة على الملحون ، وفي سبل تقديمه وترويجه بين الشغوفين به وما أكثرهم ، وأنا الآن أكتب هذا المقال وقد تلقيت سيلا من الاتصالات المختلفة وحتى من خارج مراكش ، وممن لا تظهر عليهم علامات الشغف بالملحون ، ولا الرغبة في الحضور يعاتبونني على أنني لم أخبرهم ، أو لم أدلهم على مكان وزمن الحفل ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على طبيعة أهل مراكش الفرجوية ، واقتناعهم بالأعمال الجادة الرصينة ، وها هم بعدما انْزَوَوْا مدة ، وغادروا الساحة يرغبون في الحضور ، والاشتغال من جديد .

8 – من الضروري أن يُبنى مشروع العمل المشترك في مجال الملحون على درجات ، ويتكئ على خطوات ، بعضها محلي ، وبعضها الآخر وطني ، يسعى إلى مد الجسور بين كل التجارب الجدية والناجحة في مختلف حواضر الملحون المغربية رجاء التحفيز والبعث من جديد ، وتنبيه مَن وقع في دَنَسِ التفرقة والبغض ، وهناك بعض المبادرات المهمة في العمل الجماعي بين جمعيات من مدن مختلفة أفرزت الكثير من الأعمال واللقاءات المشتركة .

9 – لا يظن أحد أننا بكلامنا نوزع الورود والأحلام فيما بيننا ، أو أننا ندعو أهل الملحون إلى جمع كل الشتات في موقف شمولي سلبي آخر ، إنما القصد هو تشكيل مجموعات متجانسة ومتقاربة في الأهواء والمقاصد داخل مراكش وخارجها لإنتاج أكبر عدد ممكن من المشاريع والملتقيات ، ولتحفيز العاملين في الميدان على الاجتهاد والمنافسة الشريفة الإيجابية والمنتجمة ، ولنؤسس لخريطة ملحونية جديدة تقوم على الهوية المشتركة والمتفاعلة ، وليس على رغبة وتحكم الأشخاص ومزاجيتهم المُحَطِّمة لكل أمل ممكن .

10 – هذه دعوتي إليكم يا أهل الملحون داخل مدينتي مراكش وخارجها ، وعسى أن تُقبَل ، ويقع عليها شيء ولو قليل من الإجماع والترحيب لننهض بفن الملحون وبأهله ، وما قلت هذا الكلام إلا بعد أن لامست بوادر إيجابية في التلاحم والعمل المشترك ، وعندي أمل كبير في كل هذه الجمعيات الجديدة ، فمشاريعها وتحركاتها تنبئ بالعطاء والجد والاجتهاد ، وأتمنى أن تتكامل هذه الجهود المبذولة ، وأن يقع فيها خرق يسيل منه الخير المرتضى للملحون وأهله ، كما أتمنى أن تغلق جميع أبواب التشويش والتربص الشرير
بالميدان وناسه ، فيكفي ما حدث من خصومات ، ويكفي ما أُهدِر من الوقت ، وما ضيعنا على أنفسنا من فرص سنعاني من أثرها طيلة حياتنا .

والله المستعان والمُوَفِّق والهادي إلى سبل العمل الصالح المشترك .

‏مقالات ذات صلة

Back to top button