لحظة تفكير

ذ. حسن بولهويشات : الحبّ كلبٌ بروليتاري

نخب الليل مكتظا بالأسرار والدسائس، بالأشباح والنوايا الصريحة.

نخب ليالي الشتاء الباردة، يواصل خلالها أبطال الروايات الطويلة مصيرهم متلحفين في معاطف طويلة. غالبًا في أمكان مغلقة، مكاتب دافئة مثلا أو في صالون البيت على كنبة المساء. أحيانًا يتصرّف الروائيون بقسوة مع أبطال رواياتهم، فتتعطل الأحداث وتذوي الحكاية.

نخب الصباحات الذاهبة رأسًا إلى الشقاء بخطى سريعة أو على متن دراجات هوائية تُحرِّكها أشباح وهياكل عظمية.

نخب السبت المنهك بالضجيج والشتائم، بالموسيقى الهابطة والقُبل التجارية.

نخب الأحد يجمع أزبال السبت ويغادر دون أن ينبس بكلمة أو يحتج باليد مثلا.

نخب الاثنين، جابي الضرائب الصلف أو عزرائيل مختصرًا في كتب تجارية.

نخب باقي الأيام المتشابهة كأزرار معطف.

نخب الزمن المدرسي، والبيداغوجيا التي يمكن أن تتبيّن رائحتها من مسافة بعيدة. وتلاميذي، السنة الثالثة إعدادي، وقد أنهكتهم العادة السرية والاستيقاظ المبكر.

نخب المكان وقد غادره سكّانه. وحدها الريح تنظف الجدران ومقابض الأبواب والنوافذ.

نخب الوطن تطويه المياه كلها بلون الاشاعة.

مدينتي تُجمِّلها رائحةُ روث بغال العربات. وصناديق القمامة المقلوبة على ظهرها، التي تبدو من خلف زجاج مقهى كحقائب سفر مجرورة. يا للرائحة والالفة القديمة.

نخب العالم المترامي الأطراف، ومع ذلك هناك من يشعر بالضيق وصعوبة في الحياة.

نخب الأموات يتذكرون أمور الدنيا بلا أسفٍ.

نخب الأحياء يتدافعون بأكتافهم أمام مكتب العدم.

نخب الفقراء يتداولون الشقاء فيما بينهم.

نخب أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، أصحاب المعالي والسعادة الذين يتغوّطون مثلنا، يمرضون أكثر منا، ويموتون فيُدفنون في حفر مظلمة مثلنا.

نخب متقاعدي الوظيفة العمومية، تحرسهم الرطوبة والزهايمر في شقق السكن الاقتصادي.

نخب الشعراء وقد ضاقت بهم الدوائر، ولا أحد يتذكرهم.

أحبُّ الشعر وحشًا بريا، مُفترسًا على مراحل مثل الندم. متسخا مثل أظافر الزمن. متوتّرًا مثل الخريف. وبلا نسبٍ وعنوان كالريح. خارج القبائل والعوائل. وشروط الماركوتينغ وكتالوجات الدعاية.

نخب قصائدي متوثبة كالغريزة. محفورةً مثل عروق في ألواح الرخام. تستهويني اللعبة فأفرز الكلمات إلى فريقين، الذكور بعدد الإناث. ثم أرمي بكرة الثلج في وسط الملعب وأتراجع إلى الخلف لأضحك.

نخب وزارة الثقافة ببلاغ نعيٍ واحد، يصلح لإرسال جميع كتّاب وشعراء المغرب إلى المقبرة بلا أسفٍ تقريبًا.

نخب الأفكار والقناعات القديمة تتهاوى سريعًا أمام معاول الزمن.

نخب اليساريين القدامى، وقد صاروا برجوازيين صغارا أو مشردين على الحافة.

نخب الحب وجها لوجه أمام موقد الليل أو حين يتواضع فيهمُّ بالتقاط شيء من الأرض، فأتسلق ظهره في خيالي. ويحدث أن يسيل لعابي مثل كلب. الحب كلب بروليتاري.

نخب حياتي متلكئة كمحتال. وأيامي أتداولها بالقهوة ومرض الخيال.

نخب الفيسبوك ضحلا كنهرٍ صغير.

ونخب كلامي الذي قلته أعلاه دون أن أنقحه أو أفكر فيه حتّى.

‏مقالات ذات صلة

Back to top button