
(كش بريس/ التحرير) ـ قال تقرير لجامعة “إنديانا” الأمريكية، حول “مؤشر بيئة العمل الخيري العالمي لسنة 2025″، إن الشكل القانوني الوحيد المسموح به في المغرب لتأسيس منظمات خيرية هو “الجمعية”، بخلاف معظم دول المنطقة التي تعتمد على أشكال قانونية متعددة أبرزها “المؤسسات” و”شركات غير ربحية”، وهو ما قد يعكس محدودية تنوع الإطار القانوني المغربي مقارنة بدول كالأردن أو السعودية التي تسمح بأنواع متعددة من الكيانات.
وحسب التقرير الذي أنجزته مؤسسة “كلية ليلي للعائلة للأعمال الخيرية” بجامعة “إنديانا” الأمريكية، فإنه تم تسليط الضوء على بيئة العمل الخيري في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مع تحليل مفصل للوضع في 13 دولة، من بينها المغرب، حيث كشف عن معطيات دقيقة تُبرز القيود والإمكانات التي تواجه المنظمات الخيرية في المملكة، مقارنة بجيرانها في المنطقة وسياقها العالمي الأوسع.
وأكدت الوثيقة، على أن تأسيس الجمعيات في المغرب يخضع لنظام الترخيص المسبق، مع وجود إمكانية لحل الجمعية بقرار قضائي قابل للاستئناف، وهي ميزة غير متاحة في دول كالسعودية أو الإمارات التي يُسمح فيها للجهة الإدارية بحل المنظمات دون رقابة قضائية أو إمكانية للطعن، ما يجعل المغرب في موقع وسطي بين الانفتاح والتقييد المؤسسي.
كما أوردت البيانات نفسها، أن التبرعات المقدّمة إلى الجمعيات المغربية تُعفى من الضريبة على الدخل في حدود 5 بالمائة من الدخل الخاضع للضريبة، شريطة أن تكون الجمعية مصنفة ضمن “جمعيات النفع العام” أو موقعة على اتفاقية مع الدولة، وهو ما يشكل نوعا من الحوافز الضريبية المحدودة مقارنة بتركيا التي توفر خصما بنسبة 10 بالمائة، كما لا تتمتع الجمعيات المغربية بإعفاء من ضريبة القيمة المضافة.
وأضاف أن المغرب يفرض قيودا على استقبال التبرعات الخارجية تحت ذريعة الحفاظ على الأمن القومي، إلى جانب دول أخرى مثل قطر والأردن. ومع ذلك، يسمح للمؤسسات المغربية المصنفة ضمن “النفع العام” بتلقي تمويلات أجنبية، شريطة الالتزام بالتصريح الضريبي ودفع الضرائب المعنية، ما يعكس تشددا رقابيا ذا طابع مالي وقانوني. وأوضح المصدر ذاته أن هذا الإجراء جزء من نهج إقليمي عام يسعى إلى مراقبة حركة الأموال، خاصة في ظل تنامي المخاوف المرتبطة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب.
ووفق ذات المصدر، فإن المغرب شهد نموا في الدخل القومي الإجمالي للفرد من 8,460 دولارا في 2021 إلى 9,600 دولار في 2023 (بالقيمة الشرائية المكافئة)، بنسبة نمو بلغت 13.48 بالمائة، وهي نسبة أقل من المعدل العالمي البالغ 16.57 بالمائة، وأقل أيضا من دول كتركيا (39.93 بالمائة) والإمارات (21.75 بالمائة) وإيران (19.02 بالمائة)، لكنها تظل إيجابية في سياق ما بعد الجائحة وأزمات سلاسل التوريد والطاقة.
وأشارت الجهة عينها، أن المغرب يلزم الجمعيات بإعداد تقارير مالية دورية، كما هو الحال في عدد من دول المنطقة، إلا أن التقرير لم يشر إلى وجود نظام عقابي صارم مثل الموجود في مصر، التي تفرض غرامات قد تصل إلى 60 ألف دولار على من ينشط ضمن جمعية غير مسجلة. كما أشار التقرير إلى أن المغرب يشارك دولا كالسعودية وقطر في إنشاء صناديق لدعم وتطوير العمل الخيري، لكنها قد تُجمّد في حال المخالفات، ما يجعل الدعم مشروطا بالامتثال للضوابط.
كما أشار إلى وجود دعم رسمي مغربي لمنظمات المجتمع المدني في المجالات الاجتماعية والبيئية، ضمن توجه يهدف إلى إضفاء طابع “تنموي” على العمل الخيري، دون السماح له بالتحول إلى أداة للمناصرة أو الدفاع عن الحقوق. كما لوحظ أن المغرب، إلى جانب دول الخليج، يروج رسميا لقضايا التغير المناخي، ويشارك في تمويل مبادرات بيئية عبر منظمات المجتمع المدني، مستفيدا من التمويلات الدولية والمحلية على السواء، على عكس دول كالبحرين أو الكويت التي تعتمد فقط على مصادر داخلية.
ورغم هذا الانفتاح النسبي، يشير التقرير بوضوح إلى أن منظمات المناصرة أو تلك ذات الأجندات الحقوقية لا تزال تعاني من تضييق تدريجي في المغرب، كما في الأردن وإيران وتركيا. وذكر أنه لا يُسمح بتاتا بهذا النوع من المنظمات في دول الخليج، ما يضع المغرب في موقع رمادي يتسم بهامش محدود للعمل الحقوقي.
ويتجه المغرب، بحسب التقرير دائما، نحو توسيع هامش العمل الخيري في إطار ضوابط قانونية وإدارية مشددة، حيث تتاح الفرص للجمعيات لتقديم الخدمات الاجتماعية، لكنها لا تمتلك حرية العمل السياسي أو الحقوقي. وهذا يشبه الوضع في معظم دول المنطقة، حيث تتفاوت المساحات الممنوحة للعمل الخيري بحسب نظام الحكم، فالدول الملكية (ومنها المغرب) تميل إلى توسيع دور الجمعيات في تقديم الخدمات، دون السماح لها بتحدي السياسات العامة، في حين تسعى الدول الجمهورية إلى تقليص هذا الدور مخافة تهديد سلطاتها، كما ورد بوضوح في خلاصة التقرير.