‏آخر المستجداتلحظة تفكير

مصطفى المنوزي: من الشرق الأوسط إلى شمال إفريقيا.. التحول الجيو-أمني واختبار السيادة المغربية بين الاصطفاف والاختراق الرمزي

مدخل تأطيري: خرائط السيولة والتحول الخفي
تُشير التحولات الجيوسياسية الراهنة إلى انتقال تدريجي لمركز الثقل الأمني من الشرق الأوسط، الذي استُنزف بفعل حروب الوكالة وصراعات المحاور، إلى شمال إفريقيا، التي أضحت مجالًا استراتيجيا مفتوحًا أمام التنافس الدولي. في هذا السياق، يُطرح سؤالان جوهريان:

  • هل يمتلك المغرب الكبير من المناعة ما يُجنّبه سيناريو التآكل الشرق أوسطي؟
  • وكيف يمكن تثبيت السيادة الوطنية وسط شبكات اصطفاف متقاطعة قد تحوّل التعددية إلى انقسام رمزي قاتل؟

أولًا: تحوّل مركز الجاذبية الأمنية – فرص واختبارات

  1. شمال إفريقيا في قلب الحسابات الجيو-استراتيجية
    عوامل الجذب: تموقع جغرافي بين أوروبا والساحل، وفرة الموارد الاستراتيجية (الطاقية والمعدنية)، هشاشة المحيط الإقليمي (الساحل، ليبيا)، وتزايد الحضور الأمريكي–الصيني–الروسي.
    المخاوف: استنساخ منطق “الوكالة الأمنية” الذي حول المشرق إلى مختبر للانهيار، ونقل مسرح الصراع إلى تخوم المغرب العربي.
  2. المغرب: من التموقع الاستراتيجي إلى شبهة التوريط
    تتراوح الخيارات بين “شريك أمني مميز” و”فاعل وظيفي” في ترتيبات ما بعد المشرق.
    كُلفة الانخراط:
    سياسيًا: قابلية القرار الوطني للتدويل بفعل ارتباطات استراتيجية مشروطة.
    اجتماعيًا: تضخم ميزانيات الدفاع على حساب التنمية البشرية.
    أمنيًا: امتصاص ارتدادات الأزمات الإقليمية (الإرهاب، الهجرة، النزاعات غير المتوازنة).

ثانيًا: الاصطفاف الرمزي وتهديد النسيج الوطني

  1. الفتنة الرمزية: حين يتحول الرأي إلى تهمة
    أصبحت القضية الفلسطينية، بفعل الاستقطاب الإقليمي، محكًا لولاءات مزدوجة:
  • انتقاد إسرائيل = شبهة “إيرانية”.
  • دعم التطبيع = شبهة “تخوينية”.
    هذا التموقع الرمزي يؤدي إلى تفكيك الوعي الوطني وتحويل السردية الجامعة إلى مجال صراع أيديولوجي مستورد.
  1. الصحراء والتطبيع: الربط القسري ونتائجه
    ربط الاعتراف بمغربية الصحراء بالتطبيع مع إسرائيل يُفرغ القضية من مضمونها التوحيدي، ويحيلها إلى ملف قابل للمقايضة، مما يُضعف الجبهة الداخلية ويفتح الباب أمام تشكيك خارجي وداخلي في شرعية الخطاب الرسمي.
  2. تأجيل الإصلاحات: حين يُنتج الغياب فراغًا استراتيجيا
    غياب مسار عدالة انتقالية فعلية بعد تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة، واستمرار أعطاب المؤسسات الأمنية والقضائية، جعل من القضايا الخارجية واجهات لتعويض الإصلاح المؤجل، مما يفاقم الإحباط ويُغذي الانقسام.

ثالثًا: نحو نموذج مغاربي ممانع – مقترحات استراتيجية

  1. السيادة الرمزية: من الدفاع إلى البناء
    ضرورة إنتاج سردية وطنية نقدية ومنفتحة تتجاوز ثنائيات “إيران/إسرائيل” و”المقاومة/التطبيع”، وتُعيد تعريف الأمن انطلاقًا من حاجيات المواطن (الغذاء، المناخ، الحقوق الرقمية).
  2. التحصين الداخلي:
  • منع الاختراق الناعم
  • تفعيل الرقابة الديمقراطية على الاتفاقيات الأمنية.
  • مباشرة إصلاح شفاف للمؤسسات الأمنية يُعيد بناء الثقة بين الدولة والمجتمع.
  1. تحالفات جنوب–جنوب: من التبعية إلى التوازن
    تعزيز آليات التعاون الأمني والسياسي الإفريقي (الاتحاد الإفريقي، مجلس السلم والأمن)، وتوسيع نطاق الشراكات مع أمريكا اللاتينية وآسيا بما يحدّ من الارتهان للغرب أو الشرق.
  2. الوعي الجمعي: حماية الذاكرة من الفتنة
    دعم منصات تحليلية مستقلة قادرة على تفكيك السرديات الخارجية.
    إشراك الفاعل المدني في هندسة السياسات العمومية، خصوصًا الأمنية، لضمان توزانها مع الحريات والكرامة.

خاتمة مفتوحة: السيادة كشرط للوجود لا للاختيار
التهديد لا يكمن فقط في التحول الجيو-أمني، بل في القبول السلبي به دون بناء رؤية توقعية مستقلة. المغرب يقف أمام مفترق استراتيجي:
إما أن ينخرط في لعبة الاصطفاف، مؤدِّيًا وظيفة في مسرح الآخرين على حساب تماسكه الداخلي؛
أو أن يبتكر نموذجًا سياديًا يتأسس على نقد التبعية ورفض الاستقطاب، ويُعيد تموقع شمال إفريقيا باعتبارها فضاءً للتكامل بدل أن تكون هامشًا للحروب الجديدة.
إنّ الرهان الحقيقي هو بلورة “الموقع الثالث”: موقع يتجاوز الإملاءات الغربية والارتهانات الشرقية، نحو رؤية مغاربية–إفريقية للسيادة، تنتصر للأمن الإنساني والكرامة الجماعية معًا.

‏مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Back to top button