
في كتاب لينين “الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية” (1916) فرضية نجدها تستعيد اليوم بعضاً من قوتها التوقُّعِية، وشيئاً ما من ألَقِها من حيث المناسبة، والمزامنة، إنها فرضية “الأضعف الأقوى”. الإمبريالية تتفكك من أطرافها لا من مراكزها.
ذهب ماركس إلى أن الثورة ستأتي من البلدان الأوروبية الأكثر تقدماً (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا)، فإذا بها تحدث في روسيا، الحلقة الأضعف في السلسلة. “طوفان الكون” فجَّره “طوفان الأقصى” الذي ما ينفك يعلو موجُه، ويمتد، والذي تدفق فجر السابع من أكتوبر من غزة المحتلة، المعزولة عن العالم، المتروكة وحيدة أما الوحش ينهشها، يغتابها، ولا يترك فيها حجراً على حجر.
لم يقف الغرب ضد الجريمة، جريمة القرن، بل ساهم فيها بما يملك، وما يزال يلهب النار، ويخط بالدم صفحة غير مسبوقة في سِفْر الإبادة الجماعية. العدوان على إيران يندرج ضمن متوالية تاريخية جديدة/قديمة للصراع بين “الروم”، و “الفرس”، و “العرب”.
رحى الحرب تدور اليوم على “الفرس” و”العرب” معاً، حتى لو لم يظهر بعدُ، للبعض، ما خفي من جبل الجليد. أمسك الكيان الصهيوني، منذ سنين، بثنائية “الصديق والعدو”، يُوَجِّهُها بحساباته، يُكيِّفُها، ويُسيِّرها على هواه. إذا كان التاريخ “يتحرك من الجانب المتعفن فيه”، فإن من يهز اليوم الجغرافية السياسية في توازنها، ويجرها نحو المجهول، هو “الكيانُ المتعفن” المدعوم من طرف “الدولة المارقة” التي يقول عنها جاك دريدا أنها تحتكر أسباب القوة، والسلطة، والهيمنة، فتتخطى بها القانون الدولي، وتستأثر ب “الحقيقة”، وترسم خرائط “الخير” و “الشر”، وتجعل من العدوان دفاعاً عن النفس، ومن مقاومة الاحتلال إرهاباً.
الدولة المارقة، ويقصد بها جاك دريدا أمريكا، هي من تُعَيِّن المُروق، وتُحدِّد العقاب. سمة “الأقوى الأضعف”، عندما تلفحه ألسنة الأزمة، هي السقوط الأخلاقي، بينما نجد أن الأضعف منها يستمد القوة. المقاومة استطاعت أن تنال من الاحتلال، بل وأن تهز أركانه بقوة الإرادة، وبصدمة الأخلاق.
ما أنجزه الصمود في غزة، والبأس في لبنان، والمروءة في اليمن استكملته إيران ب “الجهاد الإبداعي والابتكاري”، الذي منحها مِنْ بَعْدِ ضعْفٍ قوة، بالرغم من الحصار، ومن العقاب. قوة مكنتها من أن تؤُزَّ الاحتلال أَزَّاً، وتجبره على الاستنجاد، والخضوع، ومراجعة أوراقه. نعم، “طوفان الكون” ثمرة “طوفان الأقصى”.