تعتبر التطورات الأخيرة التي شهدها ملف الصحراء المغربية في أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وما جاء به القرار الأممي الأخير رقم 2756، والذي بدأ بمنعطف تاريخي من خلال حصد العديد من الاعترافات الدولية والمواقف الدبلوماسية الناجحة في السياسة الخارجية للمغرب، لا سيما فيما يتعلق بملف الصحراء المغربية وقد برزت أهمية هذا الملف بشكل خاص من خلال مشروع الحكم الذاتي الذي لقي تأييدًا دوليًا من قبل أعضاء دائمين في مجلس الأمن، كما حققت الدبلوماسية المغربية نجاحًا ملحوظًا في إقناع دول غربية وعربية بفتح قنصليات وبعثات دبلوماسية في المدن الجنوبية للصحراء المغربية، مما يعكس ضرورة إنهاء الصراع المفتعل الذي استمر لأكثر من نصف قرن.
بناءً على ذلك، فإن الاعتراف الفرنسي الأخير بسيادة المغرب على أراضيه في الصحراء يُعتبر نقطة تحول في المشهد السياسي المغربي والإفريقي وكذلك الدولي بشكل عام، فقد كانت فرنسا في السابق مترددة في اتخاذ موقف واضح بشأن وحدة المملكة وأراضيها الجنوبية، أي منطقة الصحراء المغربية، حيث سعت للحفاظ على مصالحها الحيوية مع الجزائر في المجالات الاقتصادية والنفطية، لذا، قامت الدبلوماسية المغربية بالضغط على وزارة الخارجية الفرنسية بقيادة ماكرون لاتخاذ قرار سيادي ونهائي يعكس أهمية موقفها ويخرجها من الدائرة الرمادية في قضية الصحراء المغربية، بالتوازي مع علاقاتها الجيوسياسية والاقتصادية مع الجزائر.
وتزامنًا مع الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة، أشار العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى أهمية الانتصارات التي حققتها الدبلوماسية الملكية والخارجية المغربية، وقد تناول الخطاب ضرورة تطبيق المقاربة السياسية والواقعية لمبادرة الحكم الذاتي في ملف الصحراء المغربية، بالإضافة إلى الجهود المبذولة لتحقيق التنمية الوطنية المستدامة في جميع أنحاء البلاد، كما أكد الملك على أهمية الحفاظ على الوحدة السياسية للمغرب ومرتكزاته الداخلية، من أجل الدفاع عن مقدسات الوطن، وشدد على ضرورة تشجيع مغاربة العالم على تعزيز وطنيتهم وهويتهم المغربية، مما يعزز ارتباطهم الوثيق بوطنهم وقيمه التاريخية والثقافية، سواء داخل المغرب أو في الخارج في بلدان إقامتهم.
لا شك أن هناك توافقًا كبيرًا بين التفكير الاستراتيجي للدبلوماسية الملكية والتوجهات المتعلقة بإدارة الشؤون الخارجية المغربية، يتجلى هذا التوافق بوضوح في كيفية تعامل المغرب مع التحديات والمتغيرات الجيواقتصادية التي تواجه الأقاليم الصحراوية، وذلك من خلال وضع استراتيجية فعالة لاستثمار الموارد الطبيعية في الأقاليم الجنوبية، وتسهيل البرامج والمشاريع التنموية المستقبلية للمنطقة، كما يسعى المغرب إلى فتح الواجهة البحرية الأطلسية المشتركة بين الدول الإفريقية-الأطلسية، بهدف تعزيز العلاقات الإفريقية وتحقيق الاستقرار والازدهار في المنطقة الأطلسية.
في هذا السياق، يُعتبر انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة في انتخابات 5 نوفمبر 2024 نقطة تحول مهمة في العلاقات المغربية الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية وضرورة إنهاء هذا الصراع الإقليمي المفتعل، فقد كان ترامب أول من وقع مرسومًا رئاسيًا يعترف بمغربية الصحراء ويعتمد خريطة الصحراء المغربية كاملة في عام 2020، هذه التطورات الجيوسياسية تشير إلى أن المغرب قد يحقق حلًا سياسيًا واقعيًا ونهائيًا لقضية الصحراء، رغم محاولات نظام الجزائر الذي لا يزال يدعم الانفصال ويُروّج لأطروحات قديمة مثل الاستفتاء والإحصاء، التي لم تعد ذات جدوى.
ولوقف هذه التداعيات والتشكيكات غير المنطقية التي يرفضها المجتمع الدولي، وما تقوم به الجزائر من عرقلة جهود الأمم المتحدة لتحقيق الأهداف المرجوة في العملية السياسية لإنهاء نزاع الصحراء المفتعل، يجب على نظام العسكر الالتزام بالقرارات الأممية التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن قضية الصحراء، والعودة إلى طاولة المفاوضات بين الأطراف المعنية، كما نصت على ذلك قرارات مجلس الأمن السابقة والحديثة، وبالتالي، فإن دلالات ورسائل خطاب الملك المغربي إلى الأمم المتحدة في هذا الصدد تعكس التزام المنظمة الدولية بالواقعية والمسؤولية في التعامل مع هذا الملف، من خلال مبعوثها الأممي “دي ميستورا”، الذي يبدو أنه فقد القدرة على تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة، كما أن عدم قدرته على جمع الأطراف السياسية حول طاولة المفاوضات، وغياب أي سيناريو جديد في الخطاب الأممي، الذي أصبح يتكرر دون تقديم ضمانات سياسية أو تفاوضية لإنهاء النزاع المفتعل بين المغرب والجزائر وجبهة البوليساريو.
علاوة على ذلك، يبدو أن المبعوث الأممي “دي ميستورا” لم يعد قادرًا على تحقيق حل سياسي وتفاوضي بين الأطراف المتنازعة في النزاع المفتعل، كما أنه يفتقر إلى القدرة على تقديم مقترحات أممية جديدة بديلة عن تلك التي تم طرحها سابقًا، مما يعوق فتح قنوات التسوية السياسية بين الأطراف الأخرى بسبب عدم التوافق والامتثال لقرارات مجلس الأمن الدولي من قبل الدول التي تدعم الانفصال، مما يؤثر على الاستقرار في منطقة الصحراء المغربية، وبالتالي، فإن ما اقترحه دي ميستورا كحل نهائي للنزاع، في تقريره حول الصحراء المغربية، وهو تقسيم المنطقة بين المغرب وجبهة البوليساريو، أصبح مجرد فكرة قديمة، حيث تم طرحها من قبل المبعوثين السابقين، وهذا يثبت للدبلوماسية المغربية أن دي ميستورا لم ينجح في الوصول إلى اتفاق نهائي، وأن المملكة المغربية لن تقبل بتكرار السيناريوهات القديمة التي انتهى إليها سابقيه، مثل المبعوث الأممي كوهلر، الذي واجه طريقًا مسدودًا في حل هذا النزاع الإقليمي.
في الختام، يظل المغرب ودبلوماسيته الملكية ملتزمين بكل ما تضمنته الخطابات الملكية من دعوات لتوحيد الجهود الوطنية بين المغاربة في الداخل والخارج للدفاع عن وحدة الصحراء المغربية ومقدساتها التاريخية والسياسية، كما يتم التأكيد على أهمية إيجاد حل سياسي للنزاع القائم من خلال الأمم المتحدة، وذلك استنادًا إلى مقاربة مشروع الحكم الذاتي الذي أشار إليه المجتمع الدولي كمرجعية سياسية وواقعية لإنهاء الصراع في الصحراء المغربية.