بقية العالم

تقرير: تقلص الردع الأمريكي وتآكله المستمر بسبب الساسات الفاشلة لواشنطن

 ترى المحللة السياسية جوديث بيرجمان أن هناك تقلصا في الردع الأمريكي منذ سنوات، والسبب في ذلك هو السياسات الفاشلة والمصالح القومية التي أسيء تحديدها، والتي من الواضح أنها كانت محط أنظار “الجهات الفاعلة السيئة مثل روسيا والصين وإيران”. وقد أثبت الغزو الروسي لأوكرانيا أن الردع الأمريكي في حالة يرثى لها.

وتقول بيرجمان في تقرير نشره معهد جيتستون الأمريكي إن روسيا والصين وإيران شاهدت في عام 2013 الرئيس الأسبق باراك أوباما وهو يظهر أن “خطا أحمر” أعلنته الولايات المتحدة في سوريا لم يكن شيئا يحمل أي معنى، وأن بوسع بشار الأسد أن لا يخضع لأي مساءلة عن مقتل 1400 من المدنيين بالأسلحة الكيماوية.

وشهدت تلك الدول أيضا أن روسيا استطاعت غزو جورجيا وضم شبه جزيرة القرم، بينما استطاعت الصين السيطرة على هونغ كونغ- وأن الولايات المتحدة تركتهما بدون أي عواقب سلبية، ولا حتى تأثير جانبي.

كما شاهدوا في غشت 2022، استعداد الرئيس الأمريكي “لتسليم أفغانستان للإرهابيين”، والتخلي عن دولة حليفة للولايات المتحدة وترك مواطنيها الذين تعاونوا بكل ولاء مع الولايات المتحدة طوال 20 عاما في فوضى قاتلة.

وتوضح بيرجمان، وهي أحد كبار زملاء معهد جيتستون، أن هذا التآكل المستمر للردع الأمريكي، والانطباع بأن كل ما تقدر عليه الولايات المتحدة هو الكلام وبدون عمل، ولم يعد من الممكن الثقة بها كقوة عالمية- هو ما يقال إنه دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تقدير أن بوسعه غزو أوكرانيا بدون دفع ثمن باهظ.

وأكدت بيرجمان أن المهمة التي يتعين على الولايات القيام بها هي منع بوتين، وشي جين بينج وخامنئي، وأمثالهم في العالم من أن يزدادوا جرأة ويحاولوا تحقيق أطماعهم الإقليمية في دول البلطيق، ودول شمال أوروبا وشرق أوروبا، وتايوان، وبحر الصين الجنوبي والشرق الأوسط. فالولايات المتحدة بحاجة إلى إعادة ترسيخ الردع الضروري في وجه التهديدات العسكرية التي أصبحت الولايات المتحدة -والغرب عموما- يعتقدون بنفس راضية أنها عفا عليها الزمن وغير ذي صلة، ومجرد مخلفات من الحرب الباردة.

وقالت بيرجمان إن هناك أمرين يتعين على الولايات المتحدة أساسا القيام بهما لردع الجهات الفاعلة السيئة وطمأنة الحلفاء بأنها قوة يمكن للمرء الاعتماد عليها وضرورة أخذها في الاعتبار وهما: التركيز على المصالح القومية الأمريكية وإعادة الالتزام على نطاق واسع بالأمن القومي للولايات المتحدة وحلفائها. وفي الوقت الراهن، كما قال المؤرخ بيرنارد لويس “أمريكا غير ضارة كعدو ولكن غادرة كصديق”.

وأوضحت بيرجمان أن التهاون الذي بدأت إدارة بايدن تنظر به للتهديدات العسكرية، مثل غزو روسيا لأوكرانيا، باعتباره شيئا من الماضي، أدى إلى ترتيب خاطئ لأولويات القضايا مثل تغير المناخ باعتباره التهديد الأكبر الذي يواجه الولايات المتحدة. وهذا التركيز المضلل جاء على حساب تعريف حقيقي لماهية المصالح القومية الحيوية للولايات المتحدة وكان يجب أن يكون في وجه تهديدات الأمن القومي الفعلية.

ومنذ أكثر من عشرين عاما، في تموز/ يوليو أصدرت لجنة المصالح القومية لأمريكا، بالتعاون مع مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية التابع لجامعة هارفارد، ومركز نيكسون، ومؤسسة راند تقريرا بعنوان “ما هي المصالح القومية لأمريكا؟” (المعروف أيضا بتقرير بيلفر)، والذي أدرج المصالح القومية الأمريكية باعتبارها “شروطا ضرورية تماما لضمان وتعزيز بقاء الأمريكيين ورفاهيتهم في دولة حرة وآمنة”.

وأدرج تقرير بيلفر خمسة مجالات، من بينها أساسا منع، وردع، وخفض تهديد الهجمات على الولايات المتحدة أو قواتها العسكرية في الخارج، وضمان بقاء حلفاء الولايات المتحدة وتعاونهم النشط مع الولايات المتحدة في صياغة النظام الدولي الذي يمكن أن نزدهر فيه. وبعد أكثر من 20 عاما، وفي الوقت الذي تسعى فيه الصين وروسيا لتوسيع نطاق مجالات نفوذهما، ليس هناك التزام بشكل مناسب بهاتين المصلحتين الأساسيتين من جانب الولايات المتحدة التي تنسحب من المناطق الحيوية والنفقات العسكرية الرادعة.

وتضيف بيرجمان أن إعادة بناء الردع سوف تتطلب إعادة التزام سياسي وعسكري واسع النطاق تجاه المصالح القومية الحيوية.

وتلك الأمور سوف تتطلب إعادة توجيه للسياسة تعترف بأن الولايات المتحدة هي قوة غربية أساسا في عالم يشهد تهديدات عسكرية عالمية من مجموعة من الجهات الفاعلة السيئة- من بينها بصفة أساسية الصين وروسيا وإيران، وكوريا الشمالية.

ومن ثم فإن ضمان عالم يتمتع بنظام دولي يمكن أن تزدهر فيه الولايات المتحدة يتطلب قيام الولايات المتحدة بإعادة التواصل عالميا بدلا من اتباع سياسة يمكن وفقا لها الفصل بين التهديدات.

واختتمت بيرجمان تقريرها بالقول إن إدارة بايدن، أو أي أدارة تأتي بعدها ستحسن صنعا بأن تعترف بأن الصين تهدد العالم كله، وأنه لا يمكن احتواء بكين بمجرد تركيز الجهود في الشرق الأقصى. كما أن تهديد روسيا لأوكرانيا ليس منفصلا، ولكن يمكن أن يمتد ليشمل مولدوفا، ودول البلطيق، وفنلندا، والسويد وغيرهم. و”بالنسبة لتهديد إيران للشرق الأوسط -نوويا ومن خلال وكلائها الإرهابيين- وسعيها للهيمنة، فإنه لا يمكن حسم ذلك من خلال المواءمة المعتادة وضبط النفس، وعلى العكس يتطلب ذلك ردعا قويا”.

(د ب ا)

‏مقالات ذات صلة

Back to top button