‏آخر المستجداتفنون وثقافة

الشاعر العماني محمد الكندي يتغزل في مراكش: مراكش لقطة أخرى

في كل مرة أزور فيها مراكش ، أجدني مغمورا بمحيط متجدد من الطاقة ترمم ما تتركه الحياة من عناء طوال فترة الغياب ، ولأن كان غيابي هذه المرة طويلا برغم حاجتي لتلك المدينة  التي يزداد تعلقي بها ويدهشني أكثر مما يدهش الآخرين فإنني عدت هذه المرة في رحلة قصيرة أيضا ، ومدينة كمراكش لا يمكن أن تعبرها بكاميرا تحبس بها صورتها ، فالمتجدد في وجوده يصعب أن تمسك به متبلسا بجماله أو جلاله ، ولذلك فإن خير ما يمكن فعله فيها هو الكتابة  متمنيا على الحرف أن لا يخون الفكرة وأن لا يتضائل المعنى ويترك المبنى ضئيلا معه في وصف عروس المدن المغربية، وفي هذه المرة أردت أن اتجول في عمق ظليل متفيئا لحظة إنكشاف روحي لقطعة عريقة من الارض.

ومراكش تمتلك عدة من الحسن تقارع به تلك المدن التي ترصد قوس النصر ليسكنها بعد كل عناء ذلك لأنها هي  التي تصنع الاقواس وترسلها لتلك المدن حتى تشع فرحا وبهجة  ،  ولأن مررت بساحة الفناء ورأيت الراقصين يزفون بشرى فرح عابر للحظة فإن تلك الساحة لم تكن تشرق عليها شمس إلا ورماح التاريخ تتعبد في محرابها هانئة مباركة ، ومن مل من حكايات العالم المتكررة يمكنه أن يستمع لحكايات أنيقة من حدائق هذه الساحة البيانية التي تنغمس في ظلام الرواية لتأتي بوهجها وتحفر في صخر القصة لتسبك قيثارة سحر حلال ، وعندما مررت بسوق الرحبة وتتبعت السوق وطرقها أبحث فيه عن وجوه تشف ولا تصف عمقها الإنساني شعرت وكأن المدينة تشتغل بتصوفها عن زهرة الحياة الدنيا ، وما لبثت إلا قليلا حتى تفتقت دروب ومسارات في السوق تعانق الفرح والبهجة والألوان الزاهية التي تبرق في عيني من يراها بما ينسف خرق التصوف وجبته.

ولأن كانت الخيول تصهل حمية في كل مرة تعبر فيه موقعا شهق فيه السيف فإن خيول مراكش وهي تسير عبر الطرق المسفلته تخدع السياح بحركتها البطئية بين السيارات ، والناظر لتلك العيون يدرك أنها لم تطو صفحتها بعد وأن القادم من معاركها متصل بأيامها الأول عندما كانت تتحصن بجسارة فرسانها ، فهي ليست بعيدة عن تلك الروح المغربية التي كانت مظلة كبيرة لمن حولها ممتدة من (تمبكتو) في مالي حتى بركة المعتمد بن عباد وزوجته إعتماد الرميكية في الضفة الاخرى من الأرض والتي نفضت غبار زهوها في (أغمات) مقترنة بدرس تاريخي عميق لتلك العمائم عندما تسقط في اللهو عما اضطلعت به من ثقل ، وأغمات قرية صغيرة جهة إقليم (الحوز) وهي قريبة  من سكني بمسافة قصيرة ويكثر فيها مشاتل الاشجار فقد زرتها مرارا لهذه الغاية ، وفي هذه المرة دخلتها من طريق (تامازوزت –أوريكا ) وعادة أتسلل إليها من طريق مراكش أو منطقة (سيدي عبدالله غياث) ، ولا يروادني شك في مكانة المعتمد الادبية والسياسية كلما زرت قبره ، لكن الحياة تعقر ناقة كل ذي رأي وتسفك دم من يضيع رأيه تلسما لخلود لم يكن مؤثثا بحزم المقاتلين الأشداء.

وكلما مررت بالمنارة أدركت أن هذه البركة كان بها أول واي فاي  للطاقة في التاريخ شحنت به رجل الصحراء بالعزيمة كي يتدرب فيها لعبور المضيق  ،  وكانت مراكش من أوائل المدن التي تمكر بأعدائها وتضع مخطط النصر  الاستراتيجي لهزيمة من يظنون أن الصحراء تنهك ساكينها فلا يجرؤون على العبور ، وقد كانت  تلك المياه وهي تغسل عرق الجباه وتشحنهم بطاقة عبورتتقاسم معهم الأحلام وتخطط معهم كيف يرممون ثقل أرواحهم فيحلقون عاليا في تاريخ لم يندثر وفي انتظار من يرمم جراحه ويشفق على شقوق جدرانه.

ومراكش  قصة حب طغت على مقامات العشق التي حكتها كتب التاريخ عن عاشقين تسنما جواده فطفقا يخصفان من ورقه ما يرقق مشاعرهما ، فمن مر بقصر الباهية فهو يعانق قصة حب في الحياة تتجاوز في عظمتها قصة (تاج محل)  الهندي الذي زرته في ديسمبر2009 ، ذلك لأن تاج محل هو قصة وفاء  بعد فراق بالموت بينما كان قصر الباهية يتمدد في كل عام بتلك اللمسات والطرزالعريقة من الفن المغربي  لمدة ست سنوات قبل أن يستقيل  قلب وزير الدولة العلوية الوزير/ أحمد بن موسى ، وكان الوزير يدلل نفسه وهو يعلو كل يوم بحب سيدة القصر ، كما كان تواقا للإنتهاء من بناء القصر في مدة قصيرة  لكنه وهو ينظر لفاس حاضرة العلم والصناعة يومئذ يتوق لما هو اجمل فيبعث من يستبدل منها عامل بناء بمن هو أمهر منه أو يستبدل مهندس بمن هو أدق تقديسا للصنعة كي يشرق القصر متجاوزا القصور التي بنيت قبله ، ولأن كان الموت سابقا للوزير فإن الباهية عرجت على القصر ووضعت على بابه إسمها ككوكب مضاف إلى افلاك مراكش لا زال يشرق مغلفا بأبهة لا تخطئها العين.

وللمدينة العتيقة حظ وافر من السحر الزماني والمكاني ولإن كان ثمة بعد ثالث يمكن أن يحضر فهو ما يتركه السفر لهذه البيوت من اثر لا يغادرك حتى لو أغمضت عينيك ، فهي تحضر في خيال من يراها حتى لو ركب طائرة العودة لوطنه.

وفي هذه الزيارة شعرت بذنب لأن حديقة ماجوريل التي زرتها مرارا لم تشفع لي قصر الايام هذه المرة بزيارتها ، والحديقة أختصرت عوالم بيئة متنوعة حيث جمعت فيها اشجار من الأنظمة البيئية المتعددة في هذا العالم ، والزائر وهو يرى تلك الحديقة يتدثر بدفء طبيعي فيسرح به الخيال مع كل غابة مثلت بشجرة في هذا الفضاء الرحب ، وحديقة ماجوريل تستقبل ضيوفها بورود واشجار مفعمة بالحب وكانها لم تفارق موطنها.

وكنت كلما نزلت مراكش نظرت للجبال لأطمئن على تلك العمائم البيضاء من الثلج وهي تعانق الأطلس ، واقدر بقدرها مثاقيل البرد التي ستلفحني ولكن هذه المرة في يناير من عام 2024  كانت الجبال حاسرة الرأس ، والجفــاف يضرب بقوة نهــــــر(أوريكا)  و(عين تغدوين)  ، إلا أن السماء وهي ترقرق دمعها في كل عام قد رقت هذا العام  لأولئك الناجين من الزلزال ولا تزال بيوتهم هشة ومثقلة بحنين لمن رحلوا عنها فكفت ما كانت تبسطه قطرا مباركا عن الأرض عل الإنسان يتدارك من سلم منهم بمأوى يليق به قبل أن تنهمر مرة أخرى بذات الحب الذي تلاقيهم به كل عام

وقيادة السيارة في مراكش  تجربة فذة خاصة وأنت تلمح عشرات الدراجات العابرة للطرق ، يجولون بأحلامهم وأهدافهم ويستبقون لكفالة الحياة ذات الايقاع والرتم السريع ، ولأن كان منظر المواكب الرسمية مهيبا في استقبال ضيوف كل بلد ، فإن هذه المجموعات تملك ذات الهيبة لكثرتها وهي تنطلق أو تتوقف بمحاذاة مسجد أو مدرسة او مصلحة حكومية تمثل مساحة للإعجاب بتلك الروح الميكانيكية الصغيرة التي تخفف عبء الحياة عن العابرين لدهاليزها وهي تمثل ثقافة جميلة مع ما يصاحبها من أحزان نظيرحوادث الإصطدام.

ومراكش قبلة كل فواكه الريف الذي يضخ في شرايينها وأسواقها الصغيرة تلك المنتجات ، وتشعر وانت تتذوقها بأنك منغمس في بحبوحة من السُكر الحلال ، وفي الطريق من ساحة الفناء لقصر الباهية قد يصادفك بائع قصب السكر ، أما عصير الرمان فقد تصادفه في وسط حي (جليز) قرب المطاعم الشعبية  التي تستوقفك بزحف سياحي منتصر لوجبة سمك فاخرة في وجه الوجبات السريعة القادمة من خلف المحيط.

وعندما تثقلك المدينة فإن (تحناوت) هي عروس أخرى تتكئ على جبال الأطلس كأوريكا وستي فاطمة وأوكايمدن  ، ونظرة لواديها من الأعلى أو توقفك لشراء طاجين أصيل يعبث بروحك التي قد تسقط في حب القرية ، أما خروجك بين مضارب البادية فسوف يجعلك تتوسل الساعة أن تقف ريثما تنهمر أنت على المكان عشقا بعيون كميرا القلب قبل عيون الكاميرا الرقمية.

ولأن كانت الأيام جميلة فإن جمالها ليس في المكان بقدر ما هو في الإنسان الذي يشع فيها كل كيمياء الوجود الرحب وهو الذي يبقى مهابا لا يتسع رحب القلم بالحديث عنه خوفا من إنتقاص قدره ، والإنسان في هذه الأرض يملك جذورا عميقة في الطيبة والابتسامة ، ويستر قبح الحياة بنداء المحبة الدائم (مرحبا خويا ) ، وهو الذي إن أردنا أن نتحدث عنه جاهرنا ببحر شعري سقط من منظومة الإيقاع الفراهيدي وبحورها لأن موسيقاه لا يمكن رصدها برادارات القافية التقليدية … فمن يحلق عاليا يكون مثقفا بإيقاع مختلف لا يسكنه التقليد.

في  هذه الزيارة قررت أن اقترب من الشاعر المغربي المراكشي فرفدتني إبنة (فاس)  العريقة الشاعرة والباحثة الرصينة/  فاطمة بوهراكة بهاتف الشاعر الدكتور/ مصطفى غلمان ، وكنت وعدت الباحثة القديرة أن أعرج على فاس تلك الايقونة التي لم أقع في عشقها عيانا بعد حيث تقيم هي ، والشاعرة فاطمة قدمت للمكتبة العربية سفرا كبيرا من الشعر جزأت روافده باسماء الأوطان الكبيرة التي كتبت عن شعرائها ومن ضمنها شعراء المغرب في العهدين الآخيرين ،  وعودة للرجل الضرب شاعرنا الدكتور مصطفى غلمان فهو رجل متعدد الحضور والمهارات والأثر ، والحديث عنه يضطرني لأكتب شهادة لا أرى أنها تجوز الآن لأن نصابها لم يحن بعد ، فهو علاوة على رحابة الصدر يتسم بتلك الروح التي تقتسم أيامها مع الآخرين لذلك لن تجده إلا مشغولا متواطئا ضد نفسه لصالح اصدقائه ، وقد أتم وأنعم برأي جميل حيث  رأى أن يكون بداية التعارف هو بوجود قامة كبيرة من رجال القانون وهكذا كان ، حيث انتقلنا معا برفقة صديقين آخرين هما  المهندس الاثري / ايت ابن عبدالله عبداللطيف والمهندس الزراعي / عبدالعزيز ايت فاسوخ ، والأول منهما يقوم مقاما لا يسده إلا النادر من الناس حيث يقوم بترميم البيوت القديمة ليعيد لها الحياة بنفخة في روحها فتغدو قصر إقامة وفندق جديد ، أما الثاني فهو يغرس في الأرض مهارته متتبعا الماء والشجر كي يخرجان للناس وهما في أبهى حلة وأكمل منظر ، وأخذتنا السيارة لمكتب البرفيسور القانوني / امحمد بن محمد مالكي  الذي عاش في عمان عميدا لكلية الحقوق بجامعة السلطان قابوس والذي كان يتحدث بمعني الحب وسماء العشق المراكشي  ، وكان اللقاء عظيما حيث لم يبق لي الرجل ما أقوله وهو يتعامل بتواضع المراكشي وعلو كعب الفقيه العالم بالقانون والسياسية والإدارة ، وقد ربطت هولاء الاربعة صداقة متينة وكانت مناسبة اللقاء هو تهنئة البروفيسور مالكي بإفتتاح مكتبه بمراكش مستقرا بعدما ألقى عصا الترحال، وكانت فرحتهم به التي أشركوني بحضورها فرحة لا توصف ، فلم يكن الود الظاهر في هذا اللقاء إلا رسالة عن عميق محبة المراكشي لابناء جلدته ووفائه لهم.

 وشاءت الاقدار أن تحملني ريح الشعر لدارة الشعر في مراكش حيث قامتها تنطلق ليس من الشعر والشعراء فقط بل من المتلقي الذي يمارس غواية الحياة برفقة الشعراء في مكان ثابت كسوق عكاظ ، ولم يعد الشعر يتنقل بين أروقة الحياة مبرزا جماله بين الفنون الأدبية فقط ، فالعاشق عليه أن يثمر عشقه بقليل من الحركة بإتجاه افق الكلمة ومحرابها ، وعليه أن يوقد على طين التهذيب كي يرتقي بذائقته فتفصل بين الشعر وبين الهذر ، ومراكش حاضنة للشعر منذ خلقت وسقيت بماء الحرف وغذيت بقوارير ماء الزهر، وقد اشرق يومي بلقاء الاستاذ / عبدالحق ميفراني مدير دارة الشعر بمراكش ، وتناول لقائنا بعدا جميلا يقوم به شعراء مراكش وهو يجولون في محيطها الكبير وينقلون رسالة للشعر له ، لقد ترك الشاعر عبدالحق أثرا في نفسي بهدوء الكلمة التي يطلقها بعد طول تفكر وأناءة ،كما سرني صالونهم الأدبي الذي ينتقل من المدينة للبادية والتي تصنف كهامش في أطر أخرى بينما لا يراها الشعراء المراكشيين إلا حاضنة للشعر يضربون خيمة عشقهم في فيافيها في أيام معدوات من العام ، وهذه التجربة التي تنقل الشاعر لجمهوره كما يأتي الجمهور لدار الشعر ذكرتني بتجربة مجلس الخليلي للشعر في سلطنة عمان حيث ينتقل المجلس الشعري المبارك من مقره الصيفي والدائم في ولاية بوشر ومستقره الشتوي بولاية سمائل (ببيت السبحية ) لينعقد في الولايات الأخرى وفق برنامج يخطط له جيدا ليحتفي بالشعر والشعراء في كل ناحية من نواحي عمان وخارجه حيث  عقد  في (جزيرة بيمبا ) بجمهورية تنزانيا الاتحادية كما شارك في دولة الكويت بكوكبة من الشعراء ممن يرفدون الشعر، وهذا التلاقح يتسع له قلب الشعر فهو سجل مترامي الاطراف واسرع الفنون تجاوبا مع الحياة ، وما أحداث غزة منا ببعيد.

وفي طريقنا للقاء الشاعر الكبير/ اسماعيل بن عمر زويريق مررنا بالمطبعة والوراقة  الوطنية والتقينا بالاستاذ / عبدالحق بن منصور  الذي يمتد عطائه بعطاء والده الذي ساهم في نهضة المغرب العلمية ، أما الشاعر الاستاذ / اسماعيل زويريق فقد  مضت الساعات برفقته وكأنها ليلة قدر مجتزأة من ليلة عظيمة قادمة ، ولولا تواضعه لتهيبت الحديث عنه كيف لا وهو صاحب ديوان (على النهج ) والذي احتوى على عشرين الف بيت في المديح النبوي وقد ألف الشاعر 73 كتابا على ارفف المكتبة الوطنية واكثر من 30 كتابا لم تشرق انوارها بعد ، ولأن كان الشاعر رساما بالحرف فإن شاعرنا ايضا يمارس الرسم التشكيلي وتجاوزت معارضه الفنية 15 معرضا جماعيا وفرديا.

وفي هذه الزيارة ساقتني قدمي لقصر العدل في مراكش والتي عندما دخلتها أعجبني المبنى والمعنى، ولأول مرة أرى قاضية تتولى منصة القضاء تفصل في حقوق العباد مشرعة قلما وفكرا طالما حبسه المشارقة وأطلقه المغاربة، ولأن كان الخلاف قديما فسنتركه على حاله ذلك لأن الفكرة مبنية على أصول فقهية وقد تكون هنا بنيت على أصول مدنية حديثة إذ لم اطلع على منبع الجواز لضيق الوقت، وقد أعجبني أنك تستطيع أن تلتقي بالقاضي في الدائرة المختصة  لتستفيد من ولاية القاضي العامة في المجتمع وليس في الموضوع فقط.

وكلما زرت هذه المدينة ولقرب مكان إقامتي من (إيت أورير) أذهب في أغلب الاوقات للعشاء هناك ، وفي هذه المرة ذهبت باكرا للمدينة ليلة الجمعة فصليت المغرب في (جامع النزهة) وهو في آخر المدين بإتجاه عين تغدوين فجلست قليلا بين العشائين ، وقد تسمرت وأنا استمع لجماعة المسجد وهم يتلون سورة الكهف جماعة وبصوت واحد بالطريقة المغربية الجميلة ، ومن لا تحلق روحه وهو يسمع تحبيرهم فإن أجنحة إيمانه لم تنبت بعد.

ولأن المدن ليست حدائق جمال بلا أيقونات بشرية فقد وجدتني بعد تلك القامات التي ذكرتها سابقا بين يدي أكبر معمرة مراكشية حسب علمي وهي الجدة / آمنة المختارية الورزازية المعروفة بإسم الحاجة (مليحة ) وهي زوجة القاضي / عبدالغني المختاري رحمه الله تعالى والتي ناهزت السنة الرابعة بعد المائة من العمر ، وقد استمعت اليها وهي تتحدث بثلاث لغات متذكرة حتى اسماء من علمها في عشرينيات القرن الماضي من المعلمات الفرنسيات وهي التي تعلمت في بيت والدها ولم تلتحق بمدرسة خاصة نظرا لثروته وغناه لكونه تاجر ذهب تمخر تجارته البحار والقفار ، وقد عاشت في أمريكا ردحا من الزمن ، ثم عادت حبا في مراكش وشوقا لها ، وفي زيارتي الثانية لها ظننت أنها تنسى أسماء زائريها لكنها فاجئتني بذاكرتها وهي تتذكر إسمي من بين الاصدقاء والأبناء والاحفاد الذين كانوا في اللقاء الأول ، لقد طافت بي من خلال ذاكرتها بمدينة مراكش ، وكانت تتحدث متناسية ألمها وكبر سنها طالبة الدعاء  من زوارها لما ألم بها في قدمها اليمنى من تورم بعد سقوطها قبل شهرين ، ولقد شعرت بروح متوثبة بين يديها ذلك لأني كنت أظن أن تجاوزي سن الخمسين يؤهلني للإنطفاء والإنكفاء لكنها حدثتني بلسان الحال وليس المقال بأن الحياة قادمة وأن ما مر منها ليس إلا فصل من رواية طويلة ، وأن مراكش كمدينة لا يسعك فيها إلا الأمل والإبتسامة تماما كما فعلت هذه السيدة المراكشية المعمرة.

ختاما ، لطالما آمنت بأن المدينة التي تسكنك لا يمكنك توديعها …. فمدينة كهذه ….لا يستغرقك الحنين إلا قليلا ثم تيمم شطرها مرة أخرى… ولعل القادم من الايام يؤذن بلقاء …كيف لا والمغرب تسكنه شمس لا تغيب

محمد الكندي/ مراكش

4/2/2024

‏مقالات ذات صلة

Back to top button